"صيف أرملة صاروفيم"... مازن حيدر يقتفي أثر الآثار في زمن الحرب - ايجي سبورت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"صيف أرملة صاروفيم"... مازن حيدر يقتفي أثر الآثار في زمن الحرب - ايجي سبورت, اليوم الثلاثاء 15 يوليو 2025 12:00 مساءً

ايجي سبورت - مصير الآثار في زمن الحرب هو التيمة المحورية في رواية "صيف أرملة صاروفيم" للكاتب والباحث اللبناني مازن حيدر، الصادرة عن "دار نوفل - هاشيت أنطوان" في بيروت. وهي روايته الثالثة بعد "فور ستبس داون" 2017، و"الرجاء استبدال الأكاليل" 2023. وتتمحور أحداثها حول ما يُحيق بالآثار في الحرب من سرقة وعبث واختفاء وتجارة، من جهة، وحول سبل حمايتها ممّا يُحيق بها، من جهة ثانية. وهي أحداث تنخرط فيها مجموعة شخوص من مختلف الأجيال، وتدور رحاها في قرية عين سرار، الإسم الروائي لقرية جبيلية تشتمل على متحف للآثار، خلال ما اصطُلح على تسميته بـ"حرب التحرير" صيف عام 1989. تطرق الرواية موضوعاً قلّ طارقوه، وتنطوي على رسالة وطنية، فلا يكون السرد غاية بذاته بل وسيلة لغاية أسمى.

العنوان والمتن
بالدخول إلى العنوان من المتن، نشير إلى أنّ أرملة صاروفيم هي جوهرة "زوجة معلّم البناء الذي وافته المنية قبل عام، بعدما تحسّنت أوضاعه المالية بنحو مذهل وبسحر ساحر، كما جاء على لسان أهل القرية المسنّين" (ص6)، وإلى أنّها المقيمة "هنالك، فوق، على مشارف جبّانة المتاولة المنسية، تشعل موقدها في ردهة أعدّتها للشتاء، تترقّب بصبر وإيمان حلول فصل الربيع، يُواسيها نعيق الغربان وخفخفة ضباع أودية عين سرار" (ص 5). 
وبالدخول من العنوان إلى المتن، نشير إلى أنّ هذه الأرملة، الغريبة الأطوار، السليطة اللسان، العاكفة على وحدتها، تتمحور مع آخرين حول شخصية أسامة، الطالبة الثانوية التي فرّقت "حرب التحرير" شمل أسرتها، فجعلت والدها الصحافي يقيم في الجريدة، ودعت أمّها الممرّضة إلى ملازمة المستشفى الذي تعمل فيه، وهجّرتها هي من بيروت إلى عين سرار، قرية أمّها، لتقيم في بيت جدّها لأمّها، وتشكّل نقطة تقاطع بين مختلف شخوص الرواية المنتمين إلى أجيال متختلفة، يجمع بينها انشغالها بتيمة الآثار المهيمنة على الرواية. وفي هذا السياق، تنخرط أسامة في علاقة خؤولة مع خالها الأستاذ ملحم صاحب السمعة الحسنة، فتجد لديه الصدر الحاني، والرأي السديد، والنصيحة المخلصة. وتقوم بتدريس التوأمين ميلاد وجهاد، ابني العاشرة، اللذين هجّرتهما الحرب مع أمّهما، من جديدة المتن إلى القرية، وتعيش معهما علاقة أخوّة تلغي المسافة بين المدرّس والتلميذ. وتتعالق في علاقة "حبّ" مع نزار، ابن تاجر الموبيليا جبرايل، الذي تشترك معه في ذكريات طفولة ومغامرات صبا. وتقيم علاقة صداقة مع مارلين ابنة آل الدايخ. وتدخل في علاقة تعاون مع أرملة صاروفيم التي تطلب منها مساعدتها في حلّ لغز الشيخ عبّاس. وتكنّ احتراماً لموظّف الآثار الأستاذ صادق حسامي الذي تلتقي به في إطار سعيها لحلّ اللغز. وهكذا، تشكّل أسامة محوراً في شبكة علائقية، تتعدّد أجيال أطرافها، وتتنوّع أنماط العلائق في ما بينهم. على أنّ ما يجمع بينهم هو الاهتمام المشترك بموضوعة الآثار، ما ينطوي على رسالة روائية، تفيد بشمول الاهتمام مختلف الأجيال وعدم اقتصاره على جيل دون آخر.

 

غلاف الرواية.

 

تمظهرات متعدّدة
تتعدّد تمظهرات الاهتمام بالآثار في المتن الروائي، وتختلف باختلاف زاوية الاهتمام، وتكثر التقوّلات التي تعكس هذين التعدّد والاختلاف، وتتراوح تلك التمظهرات بين: القول بأنّ بيت صاروفيم "فيه كنز بل كنوز، بناه صاحبه على معبد قديم عجّت زواياه بقطع النقود القديمة ..." (ص 12)، وقيام بعض الأولاد بـ"هجوم مباغت على تلك الأرض المنسية فوق، على جبّانة المتاولة حيث الكنز القديم" (ص 15)، والكلام على "ممرّات سرّية بين بيت المرحوم صاروفيم المعمرجي وقلعة مار قرياقوس" (ص 17)، واتخاذ قرار إقفال المتحف ونقل موجوداته إلى قلعة جبيل (ص 40)، واتهام صاروفيم ببيع الآثار (ص 41)، والكلام على عدم وعي أهل القرية بأهمية الآثار (ص 47)، والزعم بإبرام اتفاقية مع متحف نيقوسيا الأثري لإيداع الآثار ريثما تنتهي الحرب (ص 49)، والاعتقاد أنّ "لصاروفيم خريطة بالكنوز في الأرض" (ص51)، وزعم الأستاذ صادق أنّ "عين سرار مؤتمِنة متحف نيقوسيا الوطني على مجموعتها" (ص 61)، وأنّه "في عين سرار كلّها لم يعد هناك أيّ شئ يُذكر من آثارها ما عدا المعبد" (ص 62)، وإصرار أرملة صاروفم على أنّ هناك من سرق الآثار وباعها، وأنّ بعضها لا يزال مدفوناً في جبّانة المتاولة (ص 108)، وغيرها.  

حلّ اللغز
إزاء هذه التقوّلات التي تختلط فيها الحقائق بالأوهام، والصدق بالكذب، ولا تعدو كونها دوراناً في حلقة مفرغة، يأتي عثور الصغير ميلاد على دفتر  جوهرة المصفرّ الأوراق، لدى نزولها من سيارة نزار التي كانت تقلّهم، وإعطائه لأسامة، ليشكّل نقطة تحوّل في مجرى الأحداث، تخرجها من المراوحة في المكان إلى النموّ. ذلك أنّ الدفتر المذكور الذي كان قد عهد به الشيخ عبّاس إلى تلميذه صاروفيم، في محاولة منه لإسكاته، بعد اكتشافه ما يرتكبه من تهريب الآثار وبيعها، يشتمل على عدّية تقوده، إذا ما فكّ رموزها، إلى العثور على بعض الآثار المدفونة في الأرض. وإذ تعيد أسامة الدفتر إلى صاحبته، تطلعها الأخيرة على حقيقة ما يشتمل عليه، وتطلب مساعدتها في حلّ اللغز، وتكون بداية سعيٍ حثيث لحلّه وفكّ طلاسم العدّية، ينخرط فيه مازن ومارلين، ويلعب فيه التوأمان ميلاد وجهاد دوراً مهمّاً، ما يؤدّي إلى العثور على بلاطة حجرية في المكان الذي أشارت إليه العدّية الملغزة، وقد اصطنعها الشيخ عبّاس لتكون شاهدة قبره، حتى إذا ما أطلعت أسامة خالها الأستاذ ملحم وموظّف الآثار الأستاذ صادق وأرملة صاروفيم على نتائج البحث، يقرّ الرأي على الاحتفاظ بالشاهدة  لدى الخال، ما يشكّل خطوةً إضافية على طريق جلاء مصير الآثار المفقودة. ذلك أنّ الأخير يقوم بحفظ القطعة الحجرية في زاوية معيّنة في قبو منزله، بحيث تكون على مرأى من أسامة، في الوقت الذي يبعد عنها الآثار المفقودة، على أنواعها، في خزائن حديدية مقفلة، بموجب اتفاق كان قد تم بينه وبين الأستاذ صادق وحاجب المتحف صاروفيم على حفظ الآثار في قبو منزله، خشية أن تسطو عليها قوى الأمر الواقع التي داهمت المتحف، ولكن بعد فوات الأوان.

 

الكاتب والباحث مازن حيدر.

الكاتب والباحث مازن حيدر.

 

وهكذا، نكتشف أنّ بعض التقوّلات التي أحاطت بالموضوع، من نقل موجودات المتحف إلى جبيل أو نيقوسيا، كان الهدف منها صرف الأنظار عن مكان وجودها الحقيقي، وصونها من عبث التجار وقوى الأمر الواقع. وبذلك، يعكس الثلاثي صادق وصاروفيم وملحم وعياً ثقافيّاً متقدّماً، وإحساساً بالمسؤولية الوطنية كبيراً، ومبادرة فردية خلاّقة، وهو ما ينطبق على سائر المهتمّين بالموضوع من الأجيال الأخرى، بدرجة أو بأخرى.

آفاق واعدة
إنّ انتهاء الرواية بالكشف عن مصير الآثار، وتلقّي أسامة بعد عودتها إلى بيروت رسالة من الولدين التوأمين بعد سفرهما إلى الخليج، ورسالة أخرى من نزار يدعوها فيها إلى اللقاء في عين سرار في الصيف التالي، وإرسال الأستاذ صادق ثريّا قديمة من الكريستال البوهيمي إلى جوهرة لتستبدله بها المصباح المكسور، وقيام الأستاذ ملحم بلصق أوراق على أبواب الخزائن الحديدية التي حُفِظت فيها الآثار توضح كيفية تهريبها إلى قبوه وإنقاذها من عبث العابثين، تفتح الرواية على آفاق مستقبلية واعدة، وتصدر عن منظور روائي إيجابي. غير أنّ هذه الإيجابيات لا تحول دون الإشارة إلى بعض الهنات الهيّنات التي وقعت فيها الرواية ممّا يتعلق ببناء الشخوص، فتنسب إلى التوأمين اللذين لم يتخطّيا العاشرة من العمر أسئلة وسلوكيات أكبر من عمرهما، من قبيل: طرح أسئلة حول شحّ مادة البنزين، والهدنة في بيروت، واشتغالهما بحلّ اللغز الذي يفضي إلى اكتشاف مكان شاهدة القبر، واهتمامهما بالسيارات والأسلحة وورق اللعب، وغيرها. 

الخطاب الروائي
وعليه، يقول مازن عبيد في روايته خطورة الممارسات التي تمخّضت عنها الحرب وليس أكبرها العبث بالإرث الوطني، واستباحة الميليشيات الأملاك العامّة والخاصّة، من جهة، ووجود موظّفين يتحلّون بالمسؤولية الوطنية، ومواطنين يدركون أهمية المواطنة،  من جهة ثانية. وهو يفعل ذلك من خلال الحكاية الآنفة الذكر، والخطاب الآتي ذكره. وفي هذا السياق الأخير، يصطنع عبيد لروايته راوياً عليماً يعهد إليه بمهمّة الروي، فيروي الأحداث في مسارٍ خطّي  فتمضي قُدُماً في نموٍّ بطيء، من بدايتها النصيّة حتى النهاية، مترجّحاً بين نمطي السرد والحوار اللذين يتكاملان في النهوض بمهمّة الروي، وإن كانت مساحة النمط الأول تطغى على النص، على أنّ نمطية السرد يتمّ كسرها بنصوص ملحم التاريخية ورسائل التوأمين والعدّيات الواردة في دفتر جوهرة. وإذا كانت لغة السرد تستخدم المستوى الفصيح البسيط المتخفّف من المحسّنات البلاغية، فإنّ لغة الحوار تزاوج بين المستويين الفصيح والمحكي اللذين قد يجتمعان في المقطع الحواري نفسه. وبعد، تتضافر الحكاية والخطاب في "صيف أرملة صاروفيم" لتقديم نص روائي يتّسم بالسلاسة والمرونة والرشاقة والطلاوة، ويوهم بواقعية المرويّ، ما يجعل قراءته مفيدة وممتعة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق