نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
جرحٌ صامت في قلب المرأة - ايجي سبورت, اليوم الأربعاء 16 يوليو 2025 11:26 صباحاً
ايجي سبورت - فرانسيسكا موسى
في زوايا القلب أماكن لا يصل إليها الضوء، وجع يختبئ خلف ابتسامة صامتة، وحلم يُدفن حيّاً كل شهر من جديد. العقم... كلمة صغيرة، لكنها كفيلة أن تُغرق روح امرأة في بحر من الأسى، وتتركها تائهة بين اليأس، الشعور بالنقص، والوحدة القاتلة.
هي لم تختر أن تُحرم من الأمومة. لم ترتكب خطأ، لم تؤذِ أحداً، فقط كانت تحلم كغيرها بأن تمسك بيد طفلها، أن تسمع كلمة "ماما" تُقال لها، أن تشعر بنبض آخر في جسدها، أن تُطعمه، تحميه، وتراقب خطواته الأولى وهي تبكي من فرط الفرح. لكنها وجدت نفسها تقف أمام طبيب يُخبرها أن الرحم صامت، أو أن المبيضين متعبان، أو ربما أن لا تفسير واضحاً سوى أن الأمل يتبخر عاماً بعد عام.
في مجتمعاتنا، تُختزل أنوثة المرأة في قدرتها على الإنجاب، كأنها مشروع إنجاب وليست كياناً مستقلاً. تُحدّق بها العيون بفضولٍ قبل أن تتزوج وبعده، لتبدأ الأسئلة تنهال كالرصاص: ما في شي؟ إيمتى نفرح فيكِ؟ ليش بعد ما صار حمل؟ من دون أن يدركوا أنهم يفتحون جرحاً لم يلتئم.
تمضي أيامها محاصرة بتلك النظرات، وتلك الكلمات التي تُقال ببراءة لكنها تقتلها ببطء. العقم ليس قضية طبية فحسب، إنه عاصفة نفسية تُطيح كل ما كانت تعرفه عن نفسها. تشعر أنها "ناقصة"، "فاشلة" ، "لا تستحق"، تُقارن نفسها بامرأة أُخرى أنجبت بسهولة. تُراقب صور الأطفال على مواقع التواصل وتبتسم، ثم تُطفئ الهاتف وتبكي على وسادتها حتى تغفو من الإرهاق. تجول على العيادات، تُجري التحاليل، تأخذ الهرمونات التي تُربك جسدها وتُشوه ملامحها، لكنها تصبر، وتبتلع الألم، وتتمسك بأملٍ هشّ لا أحد يدرك كم هو مكلف. الليل عندها لا يُشبه ليالي الآخرين، هو وقت المواجهة مع الذات، مع الفراغ، مع الصور التي لم تُلتقط، مع الأسماء التي اختارتها لأطفال لم يولدوا. تُصلي كثيراً، تُحادث الله بحرقة، تسأله: هل نسيتني؟ أتراك تسمعني وأنا أبكي؟ أما زال في قلبي بقية رجاء؟ لكنها في النهاية تُكمل يومها، تُخفي ضعفها، وتبتسم لمن حولها كي لا تزعج أحداً بألمها. في كل مرة تشاهد فيها طفلاً في حضن أمه، تشعر بوخزٍ في قلبها، تتمنى لو كان هذا الطفل لها. تقف خلف الزجاج في حضانات المستشفيات، تتأمل الوجوه الصغيرة وتبتسم، لكنها تعود إلى غرفتها محمّلة بوجع لا يُقال. صديقاتها يتحدثن عن تجارب الحمل، الولادة، رضاعة الأطفال، وهي تُصغي لقصصهن بصمت، تخفي حسرتها وتُخفي دمعتها خلف فنجان قهوة بارد. وأصعب ما في الأمر أن العقم لا يُؤلمها وحدها، بل يختبر زواجها أيضاً. كثيرات يُجبرن على تحمل لوم الزوج أو عائلته، يُهدد بعضهن بزواجٍ ثانٍ، أو يُلمّح لهن بأن بقاءهن مرهونٌ بطفلٍ لم يأتِ. كم من امرأة تجرّعت الذل فقط لأنها لم تُنجب؟ كم من واحدة ابتلعت الإهانة كي لا تخسر بيتها؟ وكم من واحدة اختارت أن ترحل بصمت، وهي موقنة أن لا أحد سيفهم أن العقم لا يُلغي المرأة، لا يُقلل من قيمتها، لا يجعلها أقل حباً أو حناناً. ورغم كل هذا، تملك المرأة العقيمة قلباً من ذهب. بعضهن يتحولن إلى شموع تُنير درب الآخرين، يحتضن أولاد إخوتهم، يعتنين بأطفالٍ بلا أهل، أو يُغدقن الحب على كل من حولهن. هن أمهات بالروح، بالعطاء، بالدفء، لا بالدم فقط وفي لحظة معينة، تتصالح إحداهن مع الفكرة، تقف أمام المرآة وتقول لنفسها: أنا لست ناقص، أنا امرأة كاملة، كريمة، ولو لم أُنجب. لكن هذا السلام لا يأتي بسهولة، بل هو رحلة طويلة من البكاء والصراخ والخذلان والانكسارات المتكررة. كل جلسة علاج فاشلة تُحطم جزءاً من روحها, كل كلمة جارحة من قريب تزيدها ضعفاً. كل عيد أم يُمرّ كأنها غير موجودة، كل مناسبة عائلية تُشعرها بأنها في الهامش. لكنّها تُعيد بناء نفسها كل مرة، بصمت من دون أن يشعر بها أحد. النساء "العاقرات" هن من أقوى النساء، لأنهن ينجون من موتٍ داخلي كل يوم، ويمضين في الحياة وهن يحملن جرحاً لا يُرى.
إلى كل امرأة تُعاني من العقم، لا تعتذري عن حزنك، لا تخجلي من دموعك، لا تسمحي لأحد بأن يُلخّصك بفكرة الأمومة فقط. أنتِ أكثر من ذلك بكثير، أنتِ قلبٌ نابض بالحياة، تستحقين الحب والاحترام والطمأنينة، حتى إن لم يُنادِك أحدٌ يوماً بـ"ماما". وما لا يأتي من الرحم، قد يأتي من الحب... والحب ليس بعاقر.
0 تعليق