نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
في عالم سمته التوحش... الانتظار على قارعة الطريق مليء بالأخطار - ايجي سبورت, اليوم الخميس 17 يوليو 2025 04:55 صباحاً
ايجي سبورت - في 13 حزيران/ يونيو المنصرم انصبت وسائل الإعلام التقليدية من محطات وإذاعات وصحف في العالم، فضلاً عن آلاف المواقع ووسائل التواصل الاجتماعي، على الحدث الأهم والمتعلق بالحرب الإسرائيلية الإيرانية التي بدأتها إسرائيل حين شنت هجوماً مفاجئاً على المواقع النووية والعسكرية والأمنية ومنازل مسؤولين أمنيين وعلماء، وصولاً لمجلس الأمن القومي الإيراني قبل يومين من الحلقة الخامسة من المفاوضات الأميركية الإيرانية حول إبرام اتفاق نووي جديد.
فقد تحولت شاشات التلفزة في معظم المحطات، خصوصاً في المرجل الشرق أوسطي إلى مرآة متقطعة للمدن الإسرائيلية وللمدن الإيرانية، خصوصاً تل أبيب وحيفا وبئر السبع، وأيضاً طهران وتبريز وقم، مصحوبة ببعض صور الدمار الذي كانت تحدثه الصواريخ الإيرانية القليلة التي تنجو من الاعتراض الإسرائيلي وبالتأكيد الأميركي، وما صاحب هذا الدمار من قتلى وجرحى، فضلاً عن مشاهد الإسرائيليين المهرولين نحو الملاجئ على أصوات صفارات الإنذار، مصحوبة أحياناً ببعض مشاهد الهلع، علماً أن بضعة آلاف من النازحين الأسرائيليين أجلوا إلى الأوتيلات لأنهم أصبحوا بلا مسكن.
وإذ لا يمكن إغفال الإثارة في مشاهد الدمار والهلع في "المدن الإسرائيلية" فإن هذه المشاهد جرى توظيفها في المواجهات السياسية والإعلامية والنفسية، كل حسب مصلحته.
فبينما جرى تضخيم نتائجها في الإعلام الإيراني، تلاعب بها الإعلام الإسرائيلي، فأحياناً ضخمت لاستدرار العطف وإبراز "همجية" الفاعل الإيراني كما فعل مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة في موضوع مستشفى سوروكي، وكأن إسرائيل تقصف المدن الإيرانية بالشوكولاتة، علماً أنها قصفت بضع مستشفيات ومصافي نفط ومراكز إعلامية ووزارات وعرضت المنطقة بكاملها لخطر الإشعاع النووي بقصفها للمنشآت النووية الإيرانية.
كما أن دخول الولايات المتحدة الأميركية وقاذفاتها الاستراتيجية على خط الهجوم على مفاعل فوردو وأصفهان ونطنز زاد الأمور إثارة وغموضاً ورعباً، خصوصاً مع جنون العظمة المتضخم عند ترامب ونتنياهو والرغبة بالسيطرة الجيوسياسية في الشرق الأوسط الغني بكنوزه النفطية وغير النفطية وبثقافات شعوبه الغارزة في التاريخ، فضلاً عن صراع الآلهة والأديان والحضارات التي انطلقت من هذا الشرق ومن الحوض المتوسطي عابرة القارات والمحيطات.
خلال إثني عشر يوماً من الحرب الإيرانية الإسرائيلية اختفت غزة عن الشاشات وهي لا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن المدن الإسرائيلية التي أصيبت بالقليل من الدمار . فمشهد غزة المغروزة في التاريخ القديم منذ آلاف السنين تحول إلى مشهد ما بعد أبوكاليبتي، ليس فقط من الدمار المروع وغير المسبوق الذي أحدثته آلة الرعب الإسرائيلية/ الأميركية في عملية العقاب الجماعي المتوحش على طوفان "حماس"، بل باستمرار الإجرام اليومي في مراكز الإذلال الغذائي التي أصبحت مصيدة للقتل والقهر والتعذيب النفسي والجسدي، خصوصا للنساء و الاطفال، في محاولة لقلب المفاهيم و تحويل التهجير الى خلاص على الطريقة النازية.
حين فكرت بهذه الكلمات كنت أنظر إلى محطات التلفزيون تتكلم عن سقوط 5 جرحى في تل أبيب وقتيلين وبضعة جرحى في قم في اليوم التاسع من الحرب، وكانت آلة التوحش الإسرائيلية قد حصدت دون شوشرة 58 فلسطينياً، بعضهم دفن تحت الأنقاض التي باتت تحتضن عشرات ألوف الغزيين على ما يعتقد، وبعضهم قتل أمام مسلخ الذل والتعذيب الغذائي الذي أنشأته إسرائيل بدعم أميركي بعد تهميش و أبعاد وقصف مراكز الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الإقليمية والدولية المتخصصة في غزة.
في الواقع فإن عملية الإبادة و التعذيب الجماعي في غزة تتكرر يومياً ودون توقف، رغم تحولها إلى أخبار عادية في معظم وسائل الإعلام العالمية، كما ترافقها أعمال قتل وتدمير وجرف واستيطان في معظم مخيمات ومدن وقرى الضفة الغربية، وكأن مسلسل الآلام و التعذيب والصلب الروماني عاد بعد Bكثر من ألفيتين إلى أرض القداسة ولكن بطريقة أكثر وحشية تتناسب مع التوحش النيوليبرالي المترافق مع التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي و جنون العظمة.
وهذا التوحش، وإن كان يتغذى من الكثير من الأفكار والأعمال المتطرفة من كل الضفاف، ومن العوامل والديناميات الجيوسياسية، إلا أنه مؤشر لتضاؤل العامل الإنساني والأخلاقي في صياغة توازنات العالم الجديد أمام عصف المصالح والقوة الغاشمة التي تفرضها، خصوصاً حين يتعلق الأمر بإسرائيل على ما أشار المؤرخ الإسرائيلي Ilan pappe. أليست مفارقة مذهلة أن يطلب نتانياهو الملاحق بجرائم ضد الانسانية جائزة نوبل للسلام للرئيس ترامب الذي يعاقب المحاكم الدولية لتجرئها على إسرائيل و على قادتها؟
لا أغفل عن مظاهر وحيوية الرفض الشعبي والنخبوي في الغرب لهذا التوحش وما يرافقه من تعدي صارخ على حرية التعبير، بما فيها من نخب يهودية (مؤتمر فيينا الأخير على سبيل المثال)، ومؤخراً بتنا نسمع بعض الاعترافات حول وصف مذبحة غزة بالإبادة من أفواه بعض الشخصيات والمسؤولين الأوروبيين، ومنهم من تفلت منذ البداية من شبكة العنصرية والشعبوية التي تجتاح شرائح من الإنتلجنسيا الغربية في مرحلة التحولات الجيوسياسية الكبرى في العالم، خصوصاً في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا, أي في قلب العالم الغربي.
و بعض المسؤولين الأوروبيين استنكر أو ادان ولجأ لمعاقبة، وإن صورية، لشخصيات سوبر متوحشة مثل سموتريتش وبن غفير، وهما على كل مدانان في محكمة إسرائيلية بتهمة الإرهاب، ولكن ربما لأسباب "تخفيفية ديموقراطية" فإن الإثنين ينفذان "محكوميتهما" في حكومة بنيامين نتنياهو الملاحق من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة المجازر ومن المحكمة الإسرائيلية بتهمة الاختلاس، علماً أنه يطيل فترة هروبه من الملاحقة بتمديد أمد المذبحة الغزاوية ولو على حساب حياة الرهائن الإسرائيليين الذين قضت نيران قواته على الكثير منهم.
وإذ تبدو خطوات جارتنا أوروبا، للتأثير في الشرق الأوسط وحروبه وأحداثه المتلاحقة بطيئة ومترددة وقليلة الفعالية بالنظر للهيمنة الأميركية الترامبية التي تستعمل العصا والجزرة مع معظم اللاعبين، فإنه لزاما علينا كلبنانيين أساساً وكعرب وكشرق أوسطيين إعادة تقييم واستكشاف آفاق المرحلة واستنتاج الخلاصات واتباع السياسات التي تساعدنا على العبور إلى المرحلة الجديدة البادئة بالتشكل على صفيح ملتهب.
في الواقع فإن ما أصاب المنطقة، وخصوصاً هلالها المشرقي ليس أقل من زلزال جيوسياسي، وإن تراوحت آثاره وتداعياته وتردداته على بلدان المنطقة كل حسب واقعه وموقعه الجيوسياسي.
المقال لا يطمح لبحث عميق في الأفكار والمفاهيم والمنطلقات والمقاربات والمفارقات التي حكمت رؤيتنا و مطالعاتنا الوطنية والقومية والإسلامية منذ انهيار السلطنة العثمانية وتشكل الدول والكيانات في المنطقة، بما فيها الكيان الإسرائيلي تحت إشراف الدول المنتصرة، خصوصاً بريطانيا وفرنسا ولاحقاً الولايات المتحدة.
هذا عمل قام به ويتابعه باحثون متخصصون. ولحسن الحظ فإن العالم الحديث رغم توحشه أنتج مؤرخين غربيين وعرباً وحتى إسرائيليين مستقلين لهم إسهاماتهم الإنسانية والموضوعية التي تواجه السرديات الغربية والإسرائيلية، دون أن تؤيد بالكامل جميع سردياتنا التي يميل بعضها للمبالغة والغلو وغالباً للندب والإحباط.
ما يرتسم أمامنا ليس أقل من مقدمات هزيمة لمحور إقليمي تزعمته إيران الخمينية وساهم في عرقلة التقدم والتحديث ولو البطيء في مجتمعاتنا وفي إيقاظ وليس يقظة قوى التخلف والتطرف على الضفتين، خصوصاً في دول الطوق التي عانت من تداعيات الهزائم والنكبات والاحتلالات، فضلاً عن "الغزوات والمغامرات القاتلة" التي قام بها أنصاف آلهة رحلوا جميعاً، بما يفوق طاقات هذه الدول على التحمل ويهدد سلامة مجتمعاتها ونسيجها الاجتماعي بالتمزق و يضعها أمام أخطار وجودية.
وفي مقدم هذه الدول يبرز لبناننا الذي نعم بنصف مئوية مزدهرة بسبب من بعض ميزاته ومن موقعه الجيوسياسي، وتحول في النصف الثاني من المئوية إلى ساحة دموية تناطحت على حلبتها ثيران هائجة وكادت أن ترميه صريعاً، لولا تمسك أكثرية بنيه بسلاح الدستور وبانتمائهم إلى نظام المصلحة العربية وبانفتاحهم على المجتمع الدولي. وللأسف فإن "حزب الله" ما زال يعلن تمسكه بالسلاح المستتبع لإيران رغم عجزه الفاضح عن مواجهة الوحش الإسرائيلي الذي استجره هذا الحزب بإسناده الوهمي لغزة.
فهذا السلاح أصبح بلا وظيفة رغم الرغبة الإيرانية بمتابعة الاستثمار، فقد بات أجله محدوداً مهماً علا الصراخ ومهما اخترع له من مبررات. فإما أن يسلم للشرعية الدستورية ونذهب جميعاً نحو استعادة الدولة مظلتنا جميعاً وإنقاذ البلد المتداعي بالتعاون مع الأشقاء والأصدقاء، و إما تركه باعثاً للفتن وفريسة للوحش الإسرائيلي مع ما يستجر ذلك من دمار وآلام و مآس.
لطالما تفهمنا وأيدنا المقاربة الهادئة والسلمية لموضوع جمع السلاح وحصره بيد القوى الشرعية مراعاة للبيئة الشيعية المكسورة ودرءاً للمخاطر المتربصة، إلا أننا بتنا نلمس تراخياً سياسياً على مستوى السلطة في هذا الموضوع وكان الإرباك واضحاً في موضوع الرد على الورقة الأميركية، خصوصاً أن قادة "حزب الله" يطرحون في العلن تفسيراً مختلفاً لحصرية السلاح، و يربطون سلاحهم بأهزوجة الاستراتيجية الدفاعية، ما يهدد بنتائج معاكسة في الداخل اللبناني وفي المحيطين العربي والدولي حيث التفسير الوحيد الجامع هو تسليم السلاح و تفكيك البنية الأمنية والعسكرية للحزب ومساواته ببقية الأحزاب السياسية.
يطيب لكثر وأنا منهم أن يرددوا مأثرة المفكر المناضل أنطونيو غرامشي حول الوحوش الضارية التي تكثر بين عالمين. المشكلة هي في أن العالم الجديد الذي يتشكل في منطقتنا تحت المطرقة الترامبية لن ينتظرنا طويلاً، ولن يكتفي بالتحسن النسبي ولكن الملموس في ممارسة السلطة. وها هي سيل التصريحات لتوم براك ولآخرين تجعل الأرض تهتز تحتنا عند كل تصريح.
في الواقع أنا كطرابلسي أعلم كم فرح الطرابلسيون بانهيار نظام التوحش الفئوي الأسدي الذي أذاقهم الأمرين على مدى عقود، ولكن أعلم أيضاً أن الطرابلسيين متمسكون بشعار لبنان أولاً رغم التهميش والتطنيش والتنميط، ولا أرى جواباً على فقاعة استبدال الجولان بطرابلس أحسن من جواب صحفي سوري شاب لمحطة لبنانية بأنها سخيفة لدرجة أنها لا تستاهل النفي.
لا أظن أن الأميركيين مهتمون كثيراً بتغيير الخرائط، بل برعاية الاتفاقات وإنجاز الصفقات والسيطرة على الطرقات. ومع ذلك أرى أن الأخطار قائمة على كل لبنان إذا لم تبتدع السلطة الجديدة والنخب اللبنانية السيادية عموماً أداء سياسياً دستورياً واضحاً، قوياً وواعداً، يوحد اللبنانيين ويفتح الأفق الوطني الديموقراطي أمام البيئة الشيعية والبيئات الأخرى، مما قد يجعل "حزب الله" مضطراً لتغيير مقاربته أو مواجهته سلمياً وإظهاره بمظهر من يعرض الطائفة الشيعية والبلد كله لخطر البقاء في العراء على قارعة الطريق، بينما القافلة تسير وإن فوق الأشواك.
-المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.
0 تعليق