الدروز بين الحدود والنار: مصير معلّق في انتظار ما بعد الأسد - ايجي سبورت

اخبار جوجل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الدروز بين الحدود والنار: مصير معلّق في انتظار ما بعد الأسد - ايجي سبورت, اليوم الخميس 17 يوليو 2025 07:25 صباحاً

ايجي سبورت - محمد سعد عبد اللطيف كاتب وباحث في الجيوسياسية

في مشهد استثنائي يكشف هشاشة الجغرافيا السياسية وتداخل الهويات الطائفية، شهدت الحدود الفاصلة بين مرتفعات الجولان المحتلة وسوريا تحركات نادرة لأفراد من الطائفة الدرزية، اجتازوا السياج الحدودي باتجاه الأراضي السورية تلبية - كما يبدو - لنداءات قادة دروز يدعون لدعم أبناء طائفتهم في اشتباكات السويداء ضد النظام السوري.

التحرك، رغم رمزيته المحدودة، يحمل دلالات عميقة. فقد أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع من قبل الجيش الإسرائيلي لمنع المتظاهرين من العبور، في وقت خرج فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتصريح واضح، دعا فيه أبناء الطائفة الدرزية في الجولان وإسرائيل إلى “عدم عبور الحدود”، واصفًا الأمر بالخطر على حياتهم و”إرباك لمهام الجيش الإسرائيلي”.

لكن السؤال الأعمق ليس ما إذا كان العبور قانونيًا أو آمنًا، بل: إلى أي مدى باتت الطائفة الدرزية موزّعة بين الولاءات السياسية والجغرافيا المفخخة؟ وما هو مصيرها في سوريا ما بعد الأسد؟

الجولان: اندماج قلق تحت الاحتلال

منذ احتلال الجولان عام 1967 ثم ضمه رسميًا عام 1981، حاولت إسرائيل فرض واقع جديد على سكانه، ومن بينهم نحو 20 ألف درزي. لكن معظم هؤلاء رفضوا الجنسية الإسرائيلية، متمسكين بهويتهم السورية. رغم ذلك، بدأت منذ مطلع الألفية مؤشرات على انخراط تدريجي لجيل الشباب في مؤسسات الدولة العبرية، خصوصًا في قطاعات التعليم والطب والخدمة العسكرية، على خلاف آبائهم الذين حافظوا على مسافة قومية من الدولة المحتلة.

التحوّل لم يكن اقتصاديًا فقط، بل سياسيًا وثقافيًا أيضًا. فقد سعت إسرائيل إلى تقديم نفسها كضامن لأمن الدروز، خاصة مع تصاعد القتال داخل سوريا ومحاولات بعض الفصائل المتشددة استهداف الطائفة بتهمة الولاء للنظام.

السويداء: من الحياد إلى المواجهة

في سوريا، شكّل دروز السويداء نموذجًا مغايرًا. فقد حاولوا طيلة سنوات الحرب الحفاظ على الحياد، متجنبين الاصطفاف العلني مع النظام أو المعارضة المسلحة. إلا أن الحياد لم يحمهم من الاعتداءات، ولا من الانهيار الاقتصادي والإداري الذي أصاب السلطة المركزية. ومع تفاقم الفوضى، باتت المحافظة شبه خارجة عن سيطرة النظام، وتُدار أمنيًا عبر مجموعات محلية مسلحة.

في هذا السياق، جاءت دعوات من زعيمهم الروحي، الشيخ حكمت الهجري، المحسوب على خط الاستقلال عن السلطة، للاستنفار دفاعًا عن كرامة الطائفة. وقد تجاوبت معها مشاعر الشباب في الداخل وفي الجولان المحتل، الذين يرون أنفسهم امتدادًا حيويًا لأبناء عمومتهم في السويداء.

إسرائيل والدروز: علاقة أمنية لا وطنية

رغم الخطاب العاطفي الذي يستخدمه القادة الإسرائيليون عند مخاطبة الدروز - بوصفهم “إخوان سلاح” - إلا أن العلاقة كانت دومًا مشوبة بالريبة المتبادلة. فالدروز لم يُعامَلوا كمواطنين من الدرجة الأولى، ولم تُحصنهم مشاركتهم في الجيش الإسرائيلي من التمييز العنصري أو الإقصاء في السياسات الداخلية.

في المقابل، تنظر إسرائيل إلى الدروز باعتبارهم “أداة استقرار” في محيط مضطرب. ولهذا حرصت، منذ عقود، على إدماجهم في مؤسساتها، لكنها لم تنجح كليًا في دمجهم اجتماعيًا أو ثقافيًا.

موقف دروز لبنان: صمت جنبلاط المدروس

على الطرف الثالث من المثلث الجغرافي للطائفة، يقف دروز لبنان في موقع معقد.الزعيم التاريخي وليد جنبلاط، المعروف بتحولاته التكتيكية، اختار هذه المرة الصمت الحذر. فرغم تصاعد التوتر في السويداء وتعاطف العديد من أبناء جبل لبنان، إلا أن جنبلاط يدرك أن أي انحياز علني قد يعيد إشعال فتيل الطائفية أو يزجّ بطائفته في أتون الصراعات الإقليمية.

ورغم الصمت، فإن الانشغال بمصير الدروز في سوريا حاضر بعمق في أوساط الزعامة الدرزية اللبنانية. فالتساؤل الأكبر: هل ستحظى الطائفة بدرجة من الحماية في سوريا ما بعد الأسد، أم سيُعاد تشكيل النظام الجديد على حساب خصوصيتها المذهبية والثقافية؟

ما بعد الأسد: بين الفيدرالية والانكماش

التحولات الجارية في سوريا، وتصاعد الدعوات إلى الفيدرالية أو اللامركزية، تفتح الباب أمام سيناريوهات متضاربة لمصير الأقليات، وفي مقدمتها الطائفة الدرزية. فإما أن يُمنحوا حكمًا ذاتيًا يحفظ لهم دورًا ثقافيًا وسياسيًا، أو أن يُذَوَّبوا داخل هوية وطنية كاسحة لا تأبه بخصوصياتهم.

وفي ظل غياب ضمانات دولية حقيقية لحماية الأقليات بعد انتهاء الصراع، قد يرى البعض في إسرائيل - على مضض - “الملاذ الآمن الأخير”، لا حبًا، بل خوفًا من المجهول.

على تخوم السؤال الوجودي

الدروز اليوم لا يواجهون فقط خطر التهجير أو الانحلال الديمغرافي، بل خطر التشظي الوجودي بين ثلاث هويات متصارعة: إسرائيلية قسرية، وسورية ممزقة، ولبنانية هشة. إنهم لا يعيشون فقط على حدود جغرافية مشتعلة، بل على تخوم سؤال فلسفي عميق:

هل يمكن لطائفة صغيرة، حافظت لقرون على سرّها، أن تنجو من نيران السياسة دون أن تفقد روحها؟

دروز الجغرافيا والقدر

لم تكن الطائفة الدرزية يومًا خارج معادلات الشرق الأوسط، لكنها اليوم أكثر من أي وقت مضى تجد نفسها محاصرة بأسئلة المصير والهوية. بين جغرافيا تتشقق وحدود تُرسم بالدم، وبين أنظمة متهاوية أو احتلال يتوسّع، تبرز الطائفة كصوت يحاول النجاة دون أن يذوب، ويطالب بالكرامة دون أن يُستغل.

في الجولان، يلوّح شبابها برايات الانتماء الأصلي، وفي السويداء يتمسكون بكرامتهم وسط الصمت، وفي لبنان يتقلبون على خط دقيق بين التوازن والاختناق.

إن مصير الدروز ليس معلقًا فقط بمصير النظام السوري، بل بمصير المنطقة كلها التي لم تعترف بعد بالتعددية إلا حين تتحول إلى ورقة تفاوض أو سلاح ضغط.

فهل ستمنحهم المتغيرات المقبلة مساحة للبقاء الأصيل، أم تُعيد رسم حدود وجودهم كما رُسمت حدود أوطانهم؟

إنه سؤال الهوية حين تتحول إلى عبء، والمكان حين يصبح قدرًا.. .!

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق