نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أحداث السويداء: نزيف دموي وتدخّل إسرائيلي مباشر... والارتدادات تُقلق لبنان - ايجي سبورت, اليوم الخميس 17 يوليو 2025 07:45 صباحاً
ايجي سبورت - فيما تستمرّ حرب الإبادة في قطاع غزة، رغم بروز مؤشّرات عن اتفاق وشيك لوقف إطلاق النار، لم يترجَم تهدئة حتى الآن، وتتواصل الخروقات الإسرائيلية في لبنان، بعدما بلغت "ذروتها" في البقاع بمجزرة هي الأكثر دموية منذ تشرين الثاني الماضي، يبدو أنّ "نار" الإقليم وصلت إلى محافظة السويداء التي تتصدّر المواجهات منذ أيام، على وقع مواجهات دامية بين فصائل محلية ذات طابع درزي وقوات تابعة للنظام السوري الجديد.
وبينما تتصاعد حدّة العنف داخليًا، في مشاهد أعادت إلى الأذهان أحداث الساحل السوري، مع كل ما انطوت عليه من تجاوزات وانتهاكات، دخلت إسرائيل رسميًا على خط الأزمة، ليس فقط عبر التصريحات والتهديدات المعتادة، بل أيضًا من خلال تنفيذ غارات جوية استهدفت مواقع عسكرية في محيط المدينة ومناطق أخرى جنوبي سوريا، حتى إنّها وصلت إلى قلب العاصمة السورية دمشق، وهي التي تسعى لتصوير نفسها "حامية للأقليات".
وقد أثار هذا التصعيد المزدوج قلقًا واسعًا في لبنان، خصوصًا في أوساط الطائفة الدرزية التي ترى في السويداء امتدادًا رمزيًا وسياسيًا لها، وسط مؤشرات على استنفار داخلي خافت، يُواكب بحذر ما يجري في الجنوب السوري، ويخشى من تمدّد التوتر إلى الأراضي اللبنانية في لحظة شديدة الحساسية. فكيف تُقرَأ أحداث السويداء بصورة عامة، في شكلها وحجمها، وهل يمكن لارتداداتها أن تصل فعلاً إلى لبنان، الذي يبقى على حالة استنفار قصوى؟.
في المبدأ، يمكن القول إنّ أحداث السويداء تأتي في سياق مشهد الفوضى الذي تشهده سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد أواخر عام 2024، ومظاهر الانفلات الأمني المتنقلة بين المناطق بين الفينة والأخرى، على الرغم من الانفتاح الغربي على النظام الجديد، وصولاً إلى حدّ رفع العقوبات عن دمشق بعد اللقاء الشهير الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرئيس أحمد الشرع في الرياض، على هامش جولته الأخيرة في المنطقة.
غير أنّ التوترات المتراكمة بين الفصائل المحلية والسلطة المركزية الجديدة انفجرت أخيرًا في السويداء، كما حصل في الساحل قبل ذلك، وهو ما أشعل مواجهات عنيفة لم تخلُ من التجاوزات والانتهاكات التي انتشرت فيديوهات توثّقها عبر وسائل التواصل الاحتماعي. وسرعان ما اتسع نطاق الاشتباكات ليشمل بلدات ومواقع استراتيجية داخل المحافظة، وسط تقارير عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، بينهم مدنيون، وارتكاب ممارسات عنفية شملت الحرق والنهب.
وبدل احتواء الموقف، لجأت السلطة السورية الجديدة إلى إرسال تعزيزات عسكرية استخدمت أسلحة ثقيلة، ما اعتُبر قرارًا سياسيًا بإعادة فرض السيطرة بالقوة، حتى على حساب الخصوصية التاريخية والاجتماعية للسويداء، التي لطالما بقيت بمنأى عن النزاعات الطائفية الواسعة خلال سنوات الحرب السابقة. ولعلّ ما رفع منسوب الخطورة في هذا التصعيد، هو دخول إسرائيل المباشر على خطّ الأحداث، تحت ذريعة "حماية الدروز".
فبعد سلسلة من التصريحات التي أطلقها مسؤولون إسرائيليون، يتقدّمهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والتي حمّلت النظام السوري مسؤولية ما يحصل، نفّذت طائرات الاحتلال سلسلة غارات جوية استهدفت قوافل ومدرعات ومقارّ عسكرية قرب السويداء، وأخرى جنوب دمشق. كما برزت تقارير إسرائيلية تتحدّث عن استعدادات ميدانية لمزيد من الضربات، في حال استمرّت الاشتباكات أو توسّعت، مع ما تحمله من رسائل واضحة إلى دمشق وبيروت معًا.
ورغم الادعاء الإسرائيلي بحماية الأقليات، وهو ادّعاء يوحي بـ"إنسانية" لا تستقيم مع من يرتكب مجازر الإبادة في أكثر من مكان، لا يمكن تجاهل حقيقة أنّ هذه الغارات تأتي ضمن لحظة إقليمية متوترة، ما يجعل من السويداء نقطة توتّر جديدة تُوظَّف في الصراع الأوسع، وهو ما يعبّر عنه تكثيف إسرائيل لاعتداءاتها على لبنان، وفتحها أكثر من جبهة ضغط سياسي وعسكري لتحقيق أهدافها، وعلى رأسها نزع سلاح "حزب الله".
عمومًا، فإنّ الارتدادات اللبنانية لم تتأخّر. ففي مناطق الجبل، حيث تشكّل الطائفة الدرزية أحد أعمدة المكوّن الوطني، انعكست أحداث السويداء في خطاب سياسي متضامن، لكن حذر. فقد صدرت مواقف تدعو إلى التهدئة، وعدم الانجرار إلى اصطفافات حادة. في المقابل، برزت أصوات داخلية أخرى تنبّه من محاولات توريط الجبل في مواجهات إقليمية عبر بوابة السويداء، خصوصًا في ظل الحضور الإسرائيلي الذي يُذكّر بتجارب مؤلمة في الذاكرة اللبنانية.
وعلى الأرض، رُصِد استنفار غير مُعلَن في عدد من البلدات، وسط تزايد الدعوات إلى "التحضير للأسوأ"، وفتح قنوات اتصال مع بعض فصائل السويداء، ما يشي بأنّ التداخل بين الساحتين السورية واللبنانية قد يُنتج وقائع جديدة في حال استمرّ التصعيد أو فُتح الباب أمام انخراط مباشر لطرف لبناني أو أكثر، علمًا أنّ بعض الشخصيات بدأت تحضّر لمثل هذا السيناريو، الذي قد يكون خطيرًا بتداعياته وانعكاساته.
وما يُضاعف منسوب القلق في الداخل اللبناني، ليس فقط الحضور الرمزي الطاغي للسويداء على المزاج الدرزي، بل أيضًا التوقيت الحرج الذي تتزامن فيه هذه التطورات مع تصعيد إسرائيلي غير مسبوق منذ اتفاق وقف إطلاق النار في البقاع، يأتي ليواكب الضغوط السياسية والدبلوماسية التي تتصدّرها الولايات المتحدة من أجل تنفيذ خارطة طريق تفضي إلى نزع السلاح قبل نهاية العام الحالي.
وفي ظلّ انعدام المبادرة السياسية، والتخبّط في الموقف الرسمي، تبدو الساحة الدرزية أمام استحقاق مصيري: بين التماهي مع وجع أهل السويداء من منطلق إنساني ووجداني، وبين الحذر من استدراج الطائفة إلى مربّعات الصراع التي تُعيد إلى الأذهان تجارب موجعة، يدرك الجميع كلفتها. لذلك، فإنّ أي تحرّك غير محسوب أو انجرار خلف خطاب شعبوي أو تحريضي قد يُفضي إلى اهتزازات أمنية غير قابلة للاحتواء.
وأمام هذا المشهد المتداخل والمعقّد، يبرز التحدّي الأكبر في قدرة لبنان على تحصين ساحته الداخلية، وتفادي الانزلاق إلى صراع بالوكالة تُرسم خرائطه في الخارج. فالتضامن مع أبناء السويداء لا يجب أن يتحوّل إلى سببٍ لزعزعة الاستقرار، كما أنّ أي تماهٍ مع التدخل الإسرائيلي، ولو بحسن نية، يحمل في طيّاته خطر تفخيخ البيئة الوطنية من جديد.
في النتيجة، يبقى الثابت أنّ السويداء ليست فقط ساحة سورية مشتعلة، بل إنّها اليوم مرآة للمعركة الإقليمية على النفوذ، واختبار إضافي للبنية اللبنانية التي تواجه ضغوطًا أمنية واقتصادية وسياسية متراكمة. وأيّ انكشاف جديد قد يفتح الباب أمام سيناريوهات تتجاوز حدود التضامن، نحو الاصطفاف والصدام.
0 تعليق