نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الخوارزميات تعزف مشاعرنا… الفن يتجدد في عصر التقنية - ايجي سبورت, اليوم الخميس 17 يوليو 2025 08:17 صباحاً
ايجي سبورت - لم يكن شغف المخرجة والسيناريست الأردنية سهى إسماعيل بالموسيقى والفنون يوماً منفصلًا عن بحثها الدائم عن طرق جديدة للتعبير. هي عازفة بيانو وكاتبة موسيقى، فنانة تؤمن بأن الفنون هي أكثر الوسائل شاعرية في كشف مكنونات الإنسان وأحاسيسه. لكن فضولها تجاوز حدود البيانو والكاميرا، ليقودها إلى تجربة أكثر جرأة: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخلق فناً يحرّك المشاعر بصدق كما يفعل الإنسان؟ وهل تستطيع هذه الأداة التقنية "الباردة" أن تحمل خيالات المخرج وأفكاره وانفعالاته إلى الناس؟
هذا التساؤل كان بوابة إسماعيل إلى رحلة مختلفة تماماً،إذ لم يقتصر دافعها على التجريب التقني فحسب، بل كان لديها حلم أكبر، كما تقول:
"كنت أريد أن أتعرف إلى إمكان ترجمة بعض الأفكار الفلسفية والعلمية والقصص الإنسانية إلى أغانٍ وفيديوهات يمكن أن تصل إلى الناس من خلال الذكاء الصناعي".
وإضافة إلى هذا الشغف المعرفي، وجدت في هذه الأدوات فرصة للإنتاج الفني بأكلاف أقل بكثير من الوسائل التقليدية.
أدوات جديدة... وأفق إبداعي واسع
انفتاح إسماعيل على الذكاء الاصطناعي لم يكن عشوائياً، فهي اختارت أدوات بعينها لخدمة مشروعها الفني:
تستخدم Midjourney لتوليد الصور وتحريكها، وRunway للتحريك أيضاً، بينما تعتمد على Suno لتوليد الأغاني. أمّا الكلمات المغناة فتكتبها بالتعاون مع "تشات جي بي تي"، بحيث تمده بالفكرة العامة والقصة والمزاج الموسيقي المرغوب، ثم تخضع النصوص للتعديل حتى تصل إلى النتيجة التي تتناغم مع موسيقاها.
توضح: "أنا لست شاعرة، لذلك أكتب الفكرة وأزوده الستايل والمزاج العام للأغنية، ثم أعدل معه حتى أصل الى النتيجة المرغوبة".
عاطفة داخل المعادلات
هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يعبر عن المشاعر؟ بالنسبة الى إسماعيل، التجربة أثبتت أن ذلك ممكن:
"بعد محاولات عديدة أظنه قادر على ذلك، وفي النهاية الإنسان، هذا الكائن العاطفي الحساس، هو الذي يوجهه".
تجربتها الأبرز كانت مع أغنية "قوانين النور والجمال"، التي تصفها بأنها رحلة لاستكشاف الجمال الكوني الخفي في القوانين الفيزيائية الكبرى. حولت الأغنية لاحقاً إلى فيديو كليب، وتلقت تعليقات مؤثرة من الجمهور، عبّر بعضهم عن شعوره قائلاً إن العمل "أخذه إلى عالم آخر"، وجعله يشعر كأنه "يحلق في فضاء واسع"، وهو ما اعتبرته دليلاً على أن الأغنية نجحت في لمس مشاعر المشاهدين.
أما أغنيتها "ليست مجرد وردة"، فكانت مغامرة موسيقية جريئة جمعت بين الراب والموسيقى الكلاسيكية الحديثة والأوبرا التجريبية، وجسدت حواراً تخيلياً بين عالم فيزيائي وفنان حول الطريقة التي يرى بها كل منهما الوردة. وتعلق على هذه التجربة بقولها: "النتيجة كانت فريدة، وهناك أغانٍ أخرى تحكي قصصاً من الحياة اليومية".
ومع ذلك، لا تزال إسماعيل ترى فارقاً جوهرياً بين الإبداع البشري المباشر وبين إنتاج الذكاء الاصطناعي، موضحة:
"هناك فرق بين أن تكتب أنت قطعة موسيقية وفي خيالك الفكرة، ثم تجلس إلى البيانو تترجم إحساسك مباشرة من دون وسيط، وبين أن تحصي أرقاماً واحتمالات كما يفعل الذكاء الصناعي، ليعطيك نتيجة قد تقترب أو تبتعد عن خيالك لكنها لا تطابقه".
تحديات الفن الجديد وأخلاقياته
تقر إسماعيل أن دخول الذكاء الاصطناعي إلى الفنون لم يخلُ من تساؤلات أخلاقية وإشكاليات معقدة، وعلى رأسها قضية الملكية الفكرية للفنانين والكتاب، إضافة إلى المحتوى المضلل أو العبثي الذي يضخه بعض المستخدمين، وانتشار التقليد المفرط والاعتماد الزائد على هذه التقنيات، وهو ما قد يؤدي – في رأيها – إلى ضمور المهارات الإبداعية مع الوقت.
فن جديد يولد من قلب التقنية
وعن رؤيتها لمستقبل الفنون في ظل الذكاء الاصطناعي، تجيب:
"الذكاء الصناعي جعل الإنتاج الفني متاحاً لكثيرين من دون ميزانيات ضخمة. ومع تقليص الوقت والجهد، تبقى القدرة على توليد الأفكار وإخراجها والسرعة في مواكبة التقنية والمهارة في استخدام الأدوات هي الفارق".
وترى أن هذه الأدوات فتحت الباب أمام استكشاف أنماط فنية ظلت حبيسة المتاحف والكتب، وأن الفن سيصبح أكثر انتشاراً بفضل هذه الثورة الرقمية. وتضيف مؤكدة:
"إمكان الدمج بين أنماط فنية عدة وعوالم وبيئات متعددة باستخدام الذكاء الصناعي تعد بأنماط فنية جديدة".
بين البيانو والعدسات والخوارزميات، تخوض سهى إسماعيل مغامرة فنية جديدة تكسر الحدود التقليدية بين الإنسان والتقنية. هي لا ترى الذكاء الاصطناعي بديلا من الفنان، بل أداة تتيح له توسيع خياله وتحويل الفلسفة والعلم والحكايات الإنسانية إلى صور وأغاني يمكن أن تصل إلى كل قلب. وفي عالم يزداد ارتباطاً بالتكنولوجيا، تظل رهاناتها الكبرى على الإنسان نفسه: العاطفة هي التي تمنح هذه الآلة روحاً... والفن سيظل في النهاية مرآة لمشاعرنا نحن.
0 تعليق