نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عرسٌ وتخريف في مسقط بوكاتشيو وفوق جسر Ponte Vecchio - ايجي سبورت, اليوم الخميس 17 يوليو 2025 03:09 مساءً
ايجي سبورت - تعال نسهر، قالت له، بعد منتصف الليل، بعد منتصف الجسر، الجسر العتيق، بونتي فيكيو، ويُكتَب في الإيطاليّة Ponte Vecchio، حيث الذهب لا ينام، فمخدّتُهُ حجارةُ قصيدة، ويحلم، وهناك وقف دانتي ألييغري ملتاعًا، يدُهُ على طعنة قلبه، مستعطفًا بياتريشيا، وإنّما أنا سهرانةٌ هناك، فتعال، قالت له. تعال نقتعد الأرض، ونلتحف الذي في السموات، ونهر أرنو تحت قدميَّ، والشعراء السابقون، والمتصوّفة، وإنّي لعلمكَ أنزل في سانتا ماريّا ديل فيوري، أي الكاتدرائيّة، التي يقال لها "الدوم"، على سبيل الاختصار، صمّمها فيليبو برونليسكي، وتُعتبر أعجوبةً هندسيّة، اذ بُنيت بدون سقالاتٍ داخليّة، قبابُها الطوب، وارتفاعها 463 درجة، ورخامها أبيض أخضر ورديّ، وبرجُها إلى جانبها يحرسها، ويدعى برج جيوتو، الذي طوله 84 مترًا، و"المعموديّة" على مقربة، لمن يريد أنْ يعتمد، لقبُها "أبواب الجنّة"، من أعمال لورنزو غيبيرتي، وليست غريبةً عن أورشليم الغربيّة. وأخرّفكَ بالقول إنّي أنزل فيها، فقد رُسِمتُ كاهنةً وشاعرة منذ عصر النهضة، وصوتي ورثتُهُ من مغنّية، ولستُ على عقيدتكَ، ولا على نبراسكَ، لكنْ يمكننا أنْ نسكر بتؤدة بنعومة، وعلى طريقة فيلليني، la dolce vita، يمكننا أنْ نصنع فيلمًا، أنْ نعيش الحياة كما لو كانت سينما، فهكذا أنسى بسهولة، فلا أعود أتذكّر شيئًا ممّا حصل لي غدًا، وأمس. ولا عجب أنّي سأنساكَ، قالت له، وهذا من باب التخريف، ومن باب التخريف أيضًا أنّي نسيتُ جيوتو دي بوندوني، قالت له، وهو أوّل مَن كسر الأسلوب البيزنطيّ، وأُخرّفكَ بالقول إنّي تأثّرتُ شعرًا بساندرو بوتيتشيلي، واستعرتُ منه "ولادة فينوس" في ليلةٍ مسحورة، وتقمّصتُها، وتقمّصتْني، ثمّ رددتُها له، وأهدى إليَّ "الربيع"، ولم أردّ له الجميل، ونمتُ لدى ماساشيو، قالت له، وهو من أوائل مَن استخدم المنظور الرياضيّ والضوء الواقعيّ، ولم يمدّ يده عليَّ، ولا أنا اشتهيتُ أنْ يمدّ، وكنتُ في التخييل أُغرِمتُ بدانتي ألييغري ثمّ خنتُهُ، ولم أُعِر دافنشي نظرةً، أمّا بوكاتشيو، وأقصد جيوفاني، فمنه تعلّمتُ كيف أمزج في الشعر بين الواقعيّة والفكاهة والرومانسيّة، ثمّ سمّمتُ له الشعر، لستُ أدري لماذا، وتركتُ شعره هذا في الكتاب مضرّجًا، أمّا أنتَ فلا أذكر أنّي أهديتُ إليكَ وردةً، فذاكرتي ملطوشة، وأنتَ كما لو ذاكرتي الملطوشة، وليس عندي بيتٌ لكَ، وليس لي، ولا خزانةٌ لتعليق الثياب، ولا أيضًا حقيبة، ولا أترك ورائي أثرًا في الهواء، ولا على فراشٍ، ولا افترارًا، ولا أفكارًا، ولا قواعد لتركيز الظلال، ولا أدوّن مشاعرَ، ولا أسجّل مذكّراتٍ ويوميّات، ولا أربّي هرّةً، ولا عصفورًا، ولا أستكين إلى شغل المطبخ، ولا إلى شجرة تفّاح، ولا أقطف غيمةً لأتسلّى، وإذا شئتُ أهرب، وإذا شئتُ أعود إلى السجن، الى الكاتدرائيّة، وأنتَ رجلٌ عاطفيّ، وتُدوِّخ، وأنا لا أفتح نافذةً لئلّا أدوخ لئلّا أسقط منها، ولا أريد أنْ تُتَّهَم بهتانًا، وأنتَ صامتٌ ومُنصتٌ على العموم، وأنا يسبقني هذياني، وأنام، وأنتَ مستيقظٌ، ولا أبالي، وأنتَ ترشد فراشةً ضيّعتْ قانونَ الجاذبيّة، وأنا امرأةٌ غريبةٌ، وأنتَ رجلٌ راشدٌ، ولا أستطيع أنْ أنظر ورائي لئلّا تبقى عينايَ ورائي، وأنتَ أمامي، ولا أطردكَ لتنام مكشوفًا تحت ضوء قمر، فقد تأتي ساحرةٌ وأنتَ بلا غطاء، ولا أستبقيكَ، ولا أطردكَ، وأستطيع أنْ أخرج حافيةً إلى الجامعة لأُدرّس الفلسفةَ وعلوم قانون العدم، وأنتَ ممتازٌ كلمبةٍ مغدورة، ولا أعرف أنْ أداويكَ، ولا أنْ أطير كيمامةٍ مفقودة، وقد تراني في المقهى، فلا أتذكّر أنّي صافحتُكَ، وأنتَ ستكون حاملًا كيسًا بليغًا من الأسئلة، ولكنّكَ لا تسأل سؤالًا، ولا تستفهم أين ذهبتُ أين كنتُ وأين الآن أنا، وأين وأين وأين، وهذا يليق بالنبلاء، وأنتَ خطيبٌ مفوَّهٌ وجَسور، وتقف على منبرٍ على طاولةٍ، على الطاولة بين الطيور، بين الكلمات، وهناك الشعرُ والبوصلة، وفي يدكَ شرارةٌ، وزجاجةٌ فارغةٌ على أرنبة أنفكَ كأنّها نيشان، ولا تقول شيئًا، وتقول إنّكَ لا تحبّ الأنذال بل ترندح الأناشيد الطقسيّة وتهتف بالجنائن المعلّقة وبجلال الدين الروميّ، وسمعْتُكَ تلقي الأشعار السومريّة، فهل أنتَ شاعرٌ، وتخاطب النهرَ الذي يجري في ذاكراتٍ أبديّة، وتحبّ بوكاتشيو، الشاعر، وتنزل في قريته في مدينته certaldo، وتريد أنْ تأخذني إلى بيته إلى مكتبته، وها أنتَ تأخذني، لا أعرف كيف، وأنا هذه المرّة على غير عادتي أنقاد، بدل أنْ أقود، وأُنصِتُ إليكَ، وأهمُّ بالتصفيق لأنّكَ كأحد طلّابي، وهو مغرمٌ بي، ولا أبتسم له لئلّا يظنّ، لكنْ في مقدوركَ أنتَ أنْ تظنّ إذا رأيتَ من المناسب أنْ تظنّ، فسأكون صفصافةً، أو شجرة زنزلخت يأوي إليها عصفورٌ مجروح، وسأفترض أنّكَ العصفورُ والجريح، وتفهم الرسالة، وستفهم كثيرًا من الإشارة أنّ السماء ليست زرقاء ليست بيضاء، وترى، والأرض ليست مستديرةً كما يقول ذلك الأرعن، وأنّ الحياة هي الحياة، وهي كلبةٌ على قول الشاعر الذي أنتَ أمُّهُ، وليست كلبةً، وأعلم أنّكَ ستغادر، ولن أطلب منكَ أنْ تبقى، ولا أنْ ترحل، وإنّما أبتغي أنْ تتحرّر أنتَ، أنْ تتملّص، ولو قليلًا، من أوجاع بلادكَ، وأوجاعكَ الشخصيّة، فنشارك في العرس البنويّ، وتحصي أنتَ معي النجوم التي هنا، في تشيرتالدو، وفي الضواحي، كما أيضًا في فلورنسا، وتجمع الابتسامات كما لو أنّها ستقيم في قلبكَ إلى الأبد، ومعها الموسيقات، والطقوس، والوشوشات، وإنّما أبتغي أيضًا أنْ أمشي وإيّاكَ في الكروم، في المعصرة، وآخذكَ من يدكَ كرّامًا افتراضيًّا، وخمّارًا، بل شاعرًا، وتائهًا، ومتصوّفًا، لكأنّكَ خمّاريَ وفلّاحيَ الشخصيّ، ومرآتيَ الشرقيّة، وأنتَ حرٌّ من كلّ شيء، وتحت الصنوبر، وعلى العشب نتمدّد، وتحت الرذاذ، حيث الفسحات المتراميات، والأراضي التي في انسجاماتها القصوى، وإيقاعاتها، وحيث البيوت الدهريّة يتّكئ بعضها على بعض، والأزقّة، والنوافذ، والجبال، والتلال، وأنتَ آنذاك تكاد تهمّ بالدمع، بالزهر، لولا التحفّظ، وأنتَ قلتَ لي إنّ بلادكَ كانت حلمًا أرضيًّا، ولم تعد، وإنّ الهمجيّة باتت هي المعيار الذي استولى على المفاهيم، وفي الطبيعة، والعمران، والأمكنة، والناس، وإنّ الربح الفجعان هو "الإله"، وإنّكَ تغار لأنّ الناس هنا في الأراضي التوسكانيّة، والأشياء كلّها، والبيوت، والشوارع، والحفافي، والسهول، والأودية، والسماء، والغيوم، والمطر، والقمر، والصباح، كأنّهم جميعًا يحملون أعمارهم المتراكمة، وهم إلى ذلك، فتيانٌ متألّقون، وفتياتٌ، وفساتين، وأحلامٌ، وعيشٌ هو أوركسترا، لكأنّ العيش هذا ليس من هذه الدنيا، وليس ممّا إليه في جنونه الباطونيّ المتوحّش، حيث محتدكَ، ومسقطكَ، ومدينتكَ، وعمرانكَ، وإذا أنا غفوتُ، ونسيتُ أنْ أعود إلى "الدوم"، فقلْ لهم إنّي نسيتُ، وسيفهمون، ويتفّهمون، ويدعون لكَ بالنعمة، كدعاء تلك الأمّ التي خرجتَ من بطنها، وأنتَ الرابع بين الثمانية، وأعرف هذا وغيره، ولن يعتريكَ شرٌّ ولا سوء، فاذهبْ بأمانٍ، ولا بأس اذا نسيتَني، لكنّي واثقةٌ أنّكَ لن تنسى، بل ستتذكّر، وتستبقيني في قلبكَ، ففي عينيكَ وقلبكَ البيتُ والقصيدة.
أمام سانتا ماريّا ديل فيوري.

الدوم.

نهر أرنو حيث تغتسل فلورنسا.

بوكاتشيو في ساحة شيرتالدو.

حيث الباب أمام منزل الشاعر.

بعضٌ من تشيرالدو.

نافذة لا تكفي.

الزقاق قصيدة.

الراوي.
0 تعليق