نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سوريا أمام اختبار البقاء موحّدة! - ايجي سبورت, اليوم الجمعة 18 يوليو 2025 04:16 صباحاً
ايجي سبورت - يبدو أن الحل الذي أوقف القتال في محافظة السويداء لن يكون كافياً لإعادة الهدوء التام إلى المحافظات الجنوبية المتاخمة للحدود مع إسرائيل والأردن.
في كل الأحوال إن أول الاستنتاجات التي يمكن الخروج بها بعد إعلان اتفاق لوقف النار بين الدولة السورية وفعاليات محافظة السويداء، ومن ثم الخطاب الذي ألقاه الرئيس أحمد الشرع فجر يوم أمس، أن سوريا دخلت رسمياً عصراً مختلفاً عمّا سبق، بمعنى أنها دخلت أقله عصر اللامركزية الإدارية والأمنية الموسعة، وربما دخلت عصر فيدرالية غير معلنة عندما أعلن الرئيس السوري "تلزيم" الأمن في المحافظة لفصائل محلية من أبناء السويداء.
أتى هذا بعد الانسحاب السريع والشامل ليل أول من أمس لكل القطعات العسكرية والأمنية التابعة لحكومة دمشق من المحافظة. طبعاً أتى هذا بعدما أطلقت إسرائيل موجة من الغارات العنيفة على مواقع ومنشآت عسكرية. وصلت الضربات إلى حد استهداف رئاسة أركان الجيش السوري في قلب دمشق وتدمير أجزاء واسعة منه. والأبرز كان استهداف أرتال تابعة للجيش والأمن العام السوريين، تزامناً مع إطلاق التهديدات، بعضها كان علنياً وبعضها الآخر مُرّر عبر قنوات الاتصال، وبينها الأميركيون، بأنه إن لم يتوقف الهجوم على السويداء، ويتم إخلاء المحافظة بالكامل من القوات النظامية السورية، فستتصاعد الهجمات الإسرائيلية إلى أن يوضع مصير الحكم برمّته على المحك.
في البداية كان الأميركيون متردّدين في الضغط على حكومة الرئيس أحمد الشرع واستهداف أصولها العسكرية، لكن عندما خرجت مشاهد وصور الانتهاكات التي ارتكبتها مجموعات عسكرية منضوية تحت راية الجيش والأمن العام بحق مدنيين وممتلكات، انقلب الموقف الأميركي الذي أعطى أيضاً وزناً أكبر ممّا كان متوقعاً للمقاربة الأمنية الإسرائيلية التي تقوم على مبدأ ألا تتكرّر عملية "طوفان الأقصى" مرة ثانية تحت أي ظرف كان. وبالتالي لم تكفِ الاتصالات السورية – الإسرائيلية المتواصلة التي بدأت قبل بضعة أشهر، فضلاً عن انخراط الرئيس الشرع في مسار مؤدّاه في محطته النهائية الانضمام إلى اتفاقات سلام مع إسرائيل.
وشكل قيام الرئيس السوري بإرسال قوات كبيرة ومسلحة تسليحاً ثقيلاً بشكل خاطف لحسم المعركة في السويداء، وإن بكلفة عالية على المواطنين فيها، محطة فاصلة تقرر فيها التدخل الإسرائيلي العسكري لتغيير المعادلة والدفع في اتجاه تغيير طبيعة المنطقة ووظيفتها، أولاً عبر إجبار الحكومة على وقف النار الفوري، والانسحاب في غضون ساعات وترك المحافظة بالكامل بيد الفصائل المحلية، ثم إطلاق مسار تأسيس حزام أمني منزوع من السلاح في المناطق الجنوبية. وفي اليوم التالي تحدث مسؤولون إسرائيليون عن أن تل أبيب أعطت مهلة قصيرة للسلطات السورية لكي تخلي عسكرياً وأمنياً محافظة درعا التي تفصل بين محافظتي القنيطرة التي تحتل إسرائيل أجزاءً منها، والسويداء التي انقلبت فيها المعادلات والتوازنات لصالح الفصائل الدرزية المتحالفة معها. وقد سُرّبت معلومات من إسرائيل عن أن الأخيرة أبلغت الرئيس الشرع أنه سيُمنع من نشر قوات عسكرية بين دمشق والجنوب السوري.
عملياً نلاحظ أن أحداث السويداء التي لم تنته حتى الآن قد تشكل شرارة تغيير كبير وعميق على الأرض في التركيبة السورية التي عرفناها في العقود الخمسة الماضية. نحن نتحدث هنا، ونعم هناك احتمال للتدحرج نحو حالات انفصالية، إما على شكل حالات استقلالية أمنية وعسكرية، أو على شكل قيام ارتباط بين الجنوب السوري وإسرائيل، قوة الأمر الواقع. وهذا بالتحديد يمثل تحدياً كبيراً لوحدة التراب السوري، وقد يفتح نقاشاً حول الفيدرالية، إذ يمكننا أن نعتبر أن التحول في السويداء بعد التدخل الإسرائيلي سيفتح الباب أمام المكون الكردي في شرق الفرات لطرح مقاربة فيدرالية استناداً إلى رفضه المسبق تسليم سلاحه للدولة والانخراط فيها وتحت لوائها. لكن للأمر محاذير تتخطى التدخل الإسرائيلي، لأنها تلامس العلاقات بين المكوّنات الطائفية للمجتمع وهي أمام اختبار تاريخي، ولا سيما أن تغيير النظام الإداري والسياسي سيكون مدخله في بلد مثل سوريا حروباً لسنوات طويلة ستغرق فيها البلاد، إلى حد أن أحداث السويداء ستبدو مقارنة بها مجرد "نزهة استجمام"!
إن سوريا عند مفترق طرق. وأمام القيادة الحالية تحدٍّ كبير في مرحلة هي الأخطر في تاريخها لأنها قد لا تبقى موحّدة إلا في كتب الجغرافيا القديمة!
0 تعليق