نهاية حلم الإخوان المسلمين في الأردن؟ - ايجي سبورت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
نهاية حلم الإخوان المسلمين في الأردن؟ - ايجي سبورت, اليوم الجمعة 18 يوليو 2025 04:36 صباحاً


ايجي سبورت - د. سعود الشَرَفات *

بعد أكثر من قرن على تأسيسها، تواجه جماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن لحظة مصيرية قد تكون الأخطر في تاريخها. فالحلم الذي حملته الجماعة منذ نشأتها، والمبنيّ على مشروع أيديولوجي شامل عابر للحدود، يوشك على الانهيار في ظلّ تسارع المتغيّرات السياسية، وتبدّل موازين القوى إقليمياً ودولياً، وتصلب الموقف الداخلي تجاه مشروعها الذي باتت الدولة الأردنية تنظر إليه كحالة غير قابلة للتأقلم مع ضرورات السيادة والتحديث.

لطالما شكلت الجماعة في الأردن نموذجاً خاصاً داخل التنظيم الدولي للإخوان، إذ استطاعت لعقود أن تنخرط في العمل السياسي العلني، وتؤسّس ذراعاً حزبية هي "جبهة العمل الإسلامي"، وتشارك في الانتخابات النيابية والنقابية، وتتمتع بقدر كبير من التسامح القانوني والاجتماعي. إلا أن هذه الصيغة بدأت تتآكل تدريجاً، وصولاً إلى قرار محكمة التمييز الأردنية في 16 تموز/ يوليو 2020 اعتبار الجماعة منحلة لعدم تصويب أوضاعها القانونية. منذ ذلك الحين، بدأ الانحدار التنظيمي والسياسي يتسارع، وسط انقسامات داخلية، وخطاب مأزوم، وتآكل في شعبيتها، وغياب أيّ مراجعة فكرية حقيقية لأخطائها التاريخية وسلوكها السياسي.

ما زاد المشهد تعقيداً هو التغيّر الحاد في المزاج الدولي تجاه الجماعة، ولا سيما في أوروبا والولايات المتحدة. ففي فرنسا وألمانيا، هناك حملات منظمة لتقييد نشاط الجماعة ومراقبة تمويلها، وفي الولايات المتحدة قُدّم مشروعا قانون في مجلسي النواب والشيوخ لتصنيف الجماعة منظمة إرهابية. المشروع الأول تقدّمت به النائبة الجمهورية نانسي ميس، والمشروع الثاني قدّمه السيناتور تيد كروز، وكلاهما يدعو إلى تفعيل الأدوات القانونية الأميركية لتجريم الجماعة بالكامل. ومع تصاعد الحراك داخل الكونغرس، وخاصة في ظل عودة الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، أصبحت فرص تمرير مثل هذه التشريعات واقعية، وقد تؤسّس لتحوّل جذري في طريقة تعامل واشنطن مع الإسلام السياسي.

جزء من الانهيار العالمي لصورة الجماعة يعود إلى تحالفاتها المتناقضة. فقد كان يُفترض بحركة سُنية واسعة مثل الإخوان أن تكون حائط صدّ أمام جماعات الإرهاب الإسلاموي السنّي مثل "القاعدة" و"داعش" و"بوكوحرام"، و"حركة الشباب" الصومالية وغيرها، وفي الوقت نفسه أن تشكّل كتلة ممانعة أمام تمدّد "الهلال الشيعي" الإيراني. لكنّ ما حدث فعلياً هو عكس ذلك. فقد نسجت بعض أطراف التنظيم الدولي للجماعة تحالفات غير معلنة مع طهران، وتماهت معها في أكثر من ملفّ، وخاصة في غزة وسوريا والعراق واليمن وليبيا. هذه العلاقة التي كانت تُدار بحسابات براغماتية آنيّة، تحوّلت في نظر واشنطن وحلفائها إلى "خيانة سياسية" لمنظومة القيم التي ادّعت الجماعة تمثيلها، وأسهمت في زوال التعاطف معها داخل المؤسسات الغربية.

على الصعيد المحلي، لا تزال جماعة الإخوان في الأردن تعاني من حالة من الإنكار، ترفض الاعتراف بحجم التغيرات، ولا تبدي أيّ مؤشرات إلى مراجعة خطابها أو التنصّل من شعارات العنف أو الغموض العقائدي. الأسوأ من ذلك، أن بعض التصريحات الصادرة عن قياداتها أو أنصارها، ولو بشكل غير مباشر، تهدّد بشكلٍ مبطن بالعودة إلى العمل السرّي أو خيار التصعيد والانفلات، وهو ما يثير حساسية الأجهزة الأمنية ويدفع نحو مزيد من التشدد في التعامل معها.

ومع ذلك، فإن تصنيف الجماعة منظمة إرهابية، أو حتى حظرها بالكامل، لا يعني نهاية الحياة السياسية في الأردن، ولا يشكّل تهديداً لمسار التحديث السياسي الذي تشهده البلاد منذ سنوات برعاية من الملك عبد الله الثاني شخصياً، بل إن هذا التحول يمكن أن يُنظر إليه كفرصة لإعادة بناء الحياة الحزبية على أسس وطنية خالصة، بعيداً عن الولاءات الخارجية أو المشاريع الأيديولوجية العابرة للحدود. وحتى كوادر الإخوان، إن أرادوا البقاء في المشهد، فبإمكانهم أن يتحولوا إلى فاعلين سياسيين ضمن أحزاب جديدة تحترم الدستور الأردني وتلتزم بثقافة مدنية وحداثية.
إن لحظة الحقيقة التي تعيشها جماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن لا تنفصل عن السياق الأوسع لانهيار مشروع الإسلام السياسي بعد عقود من الصعود. ومع أن شكل النظام الدولي المقبل لا يزال غامضاً، تذهب المؤشرات جميعها في اتجاه استبعاد التنظيمات العقائدية ذات البنية الشمولية. وقد تكون الجماعة في الأردن المثال الأوضح على هذا المسار: إما أن تعيد تعريف نفسها كجزءٍ من هوية الدولة الوطنية، أو أن تنزلق إلى الهامش وتخرج من التاريخ بصمت.

*  مؤسِّس ومدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب/الأردن 


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق