تُعد نيوزيلندا واحدة من أجمل وجهات العالم لعشّاق المشي لمسافات طويلة، بفضل ما تتمتع به من مناظر طبيعية خلابة تجمع بين الجبال الخضراء، والبحيرات الصافية، والأنهار المتعرجة، والسواحل الوعرة. هذه الدولة الواقعة في جنوب المحيط الهادئ تحولت إلى حلم لكل من يبحث عن الهروب من صخب المدن والغوص في أعماق الطبيعة البكر، حيث تشكل المسارات الطويلة وسيلة مثالية لاستكشاف تنوعها البيئي والجغرافي. ويُعرف عن النيوزيلنديين احترامهم الكبير للطبيعة، ما انعكس في اهتمامهم بالحفاظ على شبكة واسعة من المسارات المجهزة والمحمية التي تستقبل الزوار من مختلف أنحاء العالم.

مسارات شهيرة لاكتشاف كنوز الطبيعة

من أبرز مسارات المشي الطويل في نيوزيلندا ما يُعرف بـ"الرحلات الكبرى" أو Great Walks، وهي مجموعة من المسارات المخصصة للمشي والتخييم تمتد على مدى أيام، وتوفر للزائر تجربة متكاملة بين الطبيعة والمغامرة. من بينها مسار "ميلفورد تراك" الذي يُعد الأشهر، ويمر عبر غابات مطيرة وجبال شامخة وشلالات مذهلة، وينتهي عند المضيق البحري الشهير ميلفورد ساوند. هناك أيضًا "تونغاريرو ألباين كروسينغ"، وهو مسار يمر بمنطقة بركانية فريدة، ويمنح الزائر مشاهد كأنها من كوكب آخر. وفي جزيرة الجنوب، يقدم مسار "روتبيرن تراك" تجربة مليئة بالأنهار الجبلية والمنحدرات الساحرة، فيما يُعد مسار "أبيل تاسمان" خيارًا مثاليًا لمن يفضلون السير على الساحل بين الشواطئ الذهبية والمياه الفيروزية.

تنوع بيئي ومغامرة آمنة

ما يميز تجربة المشي في نيوزيلندا هو تنوع البيئات التي يمكن المرور بها خلال رحلة واحدة فقط، فمن الممكن أن يبدأ المسافر يومه في غابة مطيرة، وينهيه على قمة جبل أو بجوار بحيرة جليدية. وتعتني وزارة الحفاظ على البيئة (DOC) بتجهيز المسارات وتوفير أكواخ للمبيت ومناطق للتخييم، مما يجعل المغامرة آمنة ومنظمة حتى في المناطق النائية. كما توفر هذه الممرات لوحات إرشادية واضحة وتطبيقات تساعد الزوار على تتبع المسار والاستعداد لمتغيرات الطقس. ويمكن للراغبين في خوض تجربة أكثر تحديًا أن يختاروا المسارات الطويلة التي تستغرق أسبوعًا أو أكثر، في حين تتوفر أيضًا مسارات قصيرة ليوم واحد لمن يفضلون التجارب الخفيفة.

تجربة متكاملة بين التأمل والنشاط

السير لمسافات طويلة في طبيعة نيوزيلندا ليس مجرد نشاط بدني، بل هو رحلة داخلية تمنح الهدوء والتوازن النفسي، إذ يخلق المشي وسط المشاهد الخضراء والهواء النقي إحساسًا بالصفاء لا يمكن الحصول عليه في حياة المدينة. ويجمع هذا النوع من السياحة بين التأمل والانفصال المؤقت عن التكنولوجيا، وبين ممارسة الرياضة واستكشاف الثقافات المحلية، إذ تمر بعض المسارات بالقرب من قرى الماوري الأصلية حيث يمكن للزائر التفاعل مع السكان المحليين والتعرف على طقوسهم وتقاليدهم.

إن خوض تجربة المشي في نيوزيلندا هو احتفاء بالحياة على إيقاع الطبيعة، وفرصة لرؤية الكوكب في حالته الأولى، بعيدًا عن الضجيج والإسمنت. إنها دعوة مفتوحة للمغامرة والتجدد، لا تُنسى لمن خاضها، ولا يمكن للصور أن تنقل عمقها كما تفعل الخطى في دروبها.