في قلب إفريقيا، وتحديدًا شمال رواندا، يمتد منتزه البراكين الوطني كأحد أكثر الوجهات الطبيعية إثارة وروعة على مستوى القارة. يتميز هذا المنتزه الذي تأسس في عام 1925 بكونه أقدم محمية طبيعية في إفريقيا، وقد أُنشئ بالأساس لحماية الغوريلا الجبلية المهددة بالانقراض. واليوم يُعد المنتزه رمزًا للتنوع البيولوجي وملاذًا لمحبي الحياة البرية والسياحة البيئية، حيث يتيح للزوار فرصة فريدة لاستكشاف أحد أكثر البيئات الطبيعية ديناميكية وتنوعًا، وسط سلاسل جبلية خضراء مغطاة بالضباب، وبراكين خامدة تروي قصصًا جيولوجية غامضة.

موطن الغوريلا الجبلية والتجربة الأقرب للطبيعة

أبرز ما يميز منتزه البراكين الوطني هو احتضانه لعدد من مجموعات الغوريلا الجبلية النادرة، وهي أحد أكثر الكائنات المهددة بالانقراض، ولا يمكن رؤيتها في البرية إلا في مناطق محدودة جدًا من إفريقيا. تشتهر رواندا بتنظيم رحلات تتبع الغوريلا، وهي تجربة استثنائية تخوضها برفقة مرشدين متخصصين، حيث تستغرق الرحلة أحيانًا عدة ساعات من المشي في الغابات الكثيفة للوصول إلى أماكن تواجد الغوريلا، قبل أن يُسمح للزوار بقضاء نحو ساعة في مراقبتها عن قرب في موطنها الطبيعي. هذا اللقاء المباشر يمنح إحساسًا عميقًا بالتواصل مع الطبيعة، ويُعد من أبرز تجارب الحياة البرية في العالم.

طبيعة بركانية ساحرة وتنوع بيئي فريد

يمتد المنتزه عبر سلسلة جبال فيرونغا البركانية، ويضم خمسة براكين من بينها جبل كاريسيمبي، وهو أعلى قمة في رواندا. هذه الجبال البركانية المغطاة بالغابات المطرية توفر موائل متنوعة لحياة برية استثنائية، تشمل إضافة إلى الغوريلا الجبلية، قرود الذهب، والأفيال، والضباع، والنمس، فضلًا عن أكثر من 200 نوع من الطيور. كل ذلك يجعل المنتزه وجهة مفضلة لمحبي مراقبة الحيوانات والطيور، والباحثين عن المغامرة والمشي لمسافات طويلة في قلب الطبيعة البكر. وبالإضافة إلى الرحلات الاستكشافية، يمكن للزوار خوض مغامرة تسلّق الجبال أو زيارة الكهوف البركانية التي تشهد على تاريخ جيولوجي غني يعود إلى آلاف السنين.

نموذج في السياحة البيئية والتنمية المجتمعية

ما يجعل منتزه البراكين الوطني أكثر تميزًا هو النموذج الذي اعتمدته رواندا في إدارة السياحة البيئية، حيث يتم توجيه جزء كبير من عائدات التذاكر والأنشطة لصالح المجتمعات المحلية التي تعيش قرب المنتزه. وقد أسهم هذا النموذج في تعزيز التعاون بين السكان وجهود الحفاظ على الحياة البرية، وتحسين مستوى المعيشة من خلال توفير فرص عمل ودعم المشاريع التنموية. إضافة إلى ذلك، تُعتبر رواندا واحدة من الدول الرائدة في الحفاظ على البيئة في إفريقيا، حيث تُنفذ سياسات واضحة للحد من التلوث والحفاظ على التنوع البيولوجي.

في النهاية، زيارة منتزه البراكين الوطني ليست مجرد رحلة في الطبيعة، بل تجربة إنسانية عميقة تعزز من تقدير الزائر للعالم الطبيعي ودوره في الحفاظ عليه. إنها رحلة بين البراكين النائمة والحيوانات النادرة والغابات الخضراء، تجربة لا تُنسى في واحدة من أجمل بقاع إفريقيا وأكثرها نقاء.