نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الجفاف يدهم بعلبك – الهرمل وتراجع مقلق في منسوب العاصي... القطاع الزراعي أول ضحاياه - ايجي سبورت, اليوم الجمعة 18 يوليو 2025 12:35 مساءً
ايجي سبورت - تُعدّ محافظة بعلبك - الهرمل في شرق لبنان، من أبرز أركان السلة الغذائية في البلاد. غير أنها تواجه تحدياً بيئياً متزايداً ناتجاً من تغيّر المناخ: الجفاف. هذه الظاهرة المناخية التي تتمثل بتراجع كمية الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، تلقي بظلالها على القطاع الزراعي الحيوي، مما يهدد الأمن الغذائي وسبل عيش المزارعين.
الحاجة الى وسائل ري بيئية. (لينا إسماعيل)
يتسبب الجفاف بانخفاض حاد في الإنتاج الزراعي، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى اعتماده على الزراعة البعلية (المعتمدة على مياه الأمطار). وهذا ما يؤدي إلى تراجع كمية المحاصيل الأساسية وجودتها مثل القمح والشعير، وقد يصل الأمر في بعض الحالات إلى فشل مواسم بأكملها، مما يتسبب بخسائر فادحة للمزارعين وبتهديد مباشر للأمن الغذائي.
لا يقتصر تأثير الجفاف على المحاصيل فحسب، بل يمتد ليشمل الموارد المائية. فهو يؤدي إلى استنزاف الآبار الجوفية ويزيد من تكلفة ضخ المياه. بالإضافة إلى ذلك، يتسبب بجفاف الينابيع والأنهار الحيوية، مما يفاقم أزمة المياه. ونقص المياه هذا يساهم أيضاً في تدهور جودة التربة وارتفاع ملوحتها، مما يقلل من خصوبتها ويضعف قدرتها الإنتاجية.

كروم يتهددها الجفاف.
مصلحة الليطاني: عام إستثنائي الجفاف
ووصفت دراسة أجرتها المصلحة الوطنية لنهر الليطاني هذا العام بأنه "استثنائي الجفاف"، ذ لم تصل كميات الأمطار إلى المعدلات الطبيعية. وأدى ذلك إلى ضعف تغذية الطبقات الجوفية التي بدورها تغذي الينابيع.
وتُقارن هذه الحالة بسنوات جافة سابقة مثل (1957-1958 و2013-2014) لتأكيد خطورة الوضع الراهن، وتحديداً على ينابيع حيوية في المنطقة مثل:
* نبع رأس العين (بعلبك): المغذي الرئيسي لمدينة بعلبك وبساتينها، بلغ معدل تصريفه نحو 7.266 مليون متر مكعب سنوياً في 1991–1992، ثم تراجع إلى حوالى 5.517 ملايين م. م. في 1998–1999، أي بانخفاض يقارب 24% . هذا النبع التاريخي، شهد تراجعاً ملموساً خلال عقد التسعينات. واليوم جف نهائياً، فيما تشير البيانات الأحدث إلى استمرار هذا التراجع في السنوات اللاحقة أيضاً.
*نبع عين الزرقا (شمال البقاع): المغذي الرئيسي لنهر العاصي (نهر الأورونت) في منطقة الهرمل انخفض متوسط تدفقه السنوي من نحو 76.636 مليون م. م. إلى حوالى 56.219 مليون م. م. بحسب القياسات الحديثة، مما يمثّل انخفاضاً بحوالى 27% من غزارته الأصلية. وعلى رغم أن عين الزرقا لا تزال من أغزر ينابيع لبنان، إلا أن هذا التراجع الكبير في كميتها المائية يدق ناقوس الخطر بالنسبة الى حوض العاصي.
سباق مع الوقت... والجفاف
هذا الجفاف دهم المزارعين ومنهم جورج الفخري من دير الأحمر الذي أعرب عن خشيته من الوضع الراهن قائلاً: "لم تعد السماء تمطر كما كانت من قبل، ونحن نعتمد بشكل أساسي على مياه الآبار لري أراضينا. كنا نحفر بئراً بعمق 50 متراً ونجد المياه بوفرة، أما اليوم فصارت الآبار تصل إلى 300 و400 متر، وهذا يتطلب نفقات باهظة للحفر وتركيب المضخات القوية. والأدهى أننا نلاحظ خفضاً في منسوب مياه الآبار عاماً بعد عام، مما يُنذر بالأسوأ. نضطر الى تشغيل المضخات ساعات طوال، وهذا يعني فاتورة كهرباء مرتفعة جداً، أو شراء وقود للمولدات بأسعار لا تُطاق. أصبحنا في سباق مع الزمن، فإذا جفت الآبار، فلن يبقى لنا شيء هنا."
تُخلّف أزمة الجفاف آثاراً اجتماعية واقتصادية حادة، أبرزها: خفض دخل المزارعين، ارتفاع نسبة الهجرة من الريف، ارتفاع أسعار المواد الغذائية، تهديد الأمن الغذائي الوطني.

إستعانة بمياه الصهاريج.
مخلوف: وضع مأسوي بكل المقاييس
يصف البروفسور حسان مخلوف، رئيس "الحركة البيئية اللبنانية" (منسق ماستر التنوع الحيوي في الجامعة اللبنانية، واختصاصي زراعة القنب الهندي والزراعات البديلة) الجفاف الحالي في بعلبك - الهرمل بأنه "مأسوي بكل المقاييس"، مشيراً إلى أن موسم 2025 شهد تراجعاً في الأمطار إلى أقل من ثلث المعدل السنوي. هذه الأزمة ليست حديثة، بل هي نتيجة لتراجع مستمر في المتساقطات منذ أكثر من عشرين عاماً، ما أدى إلى تقلص الغطاء الثلجي في الجبال وتأثيره المباشر على موارد المياه السطحية والجوفية".
الآبار الارتوازية: حل موقت ينذر بكارثة دائمة
مع جفاف المصادر المائية السطحية، أصبحت الآبار الارتوازية الحل الوحيد المتاح، وهو ما يثير قلقاً بالغاً. في منطقة مشاريع القاع وحدها، يوجد أكثر من 4000 بئر ارتوازية، وقد انخفض مستوى المياه الجوفية بشكل كبير، بحيث جفت آبار كانت تصل أعماقها إلى 150 أو 250 متراً، وبات المزارعون يحفرون الى أعماق تتجاوز 500 متر. هذا الانتشار العشوائي للآبار، خصوصاً في حوض العاصي (الممتد من بعلبك جنوباً حتى الحدود السورية شمالاً)، يهدد المخزون الاستراتيجي للمياه الجوفية في لبنان بأكمله وينذر بكارثة بيئية واقتصادية وشيكة.
يرى مخلوف أن لجوء المزارعين إلى الطاقة الشمسية لضخ المياه، رغم كونه منطقياً اقتصادياً، يؤدي إلى إهدار كبير. فعمليات الري تجري في ساعات الذروة الشمسية (من 9 صباحاً حتى 5 مساءً) خلال الصيف، مما يتسبب بتبخر حوالى 40% من المياه قبل وصولها إلى جذور النباتات.

جفاف النهر. (النهار)
ويشدد على تطبيق حلول فورية مثل تجميع المياه في خزانات والري ليلاً أو عند الفجر لتوفير مئات الملايين من الأمتار المكعبة سنوياً، منتقداً تقاعس وزارتي الطاقة والزراعة في معالجة هذه المشكلة.
ويلفت الى "أن نوعية الزراعات الحالية (مثل البطاطا والبندورة) لا تتناسب مع الواقع المناخي الجديد، فهذه المحاصيل تحتاج كميات ضخمة من المياه". ويذكر في هذا الصدد بمشروع الزراعات البديلة الذي طرح قبل 26 عاماً للتحول نحو محاصيل قليلة الاستهلاك للمياه كالفستق والكرمة. ويشير الى "أن زراعة القنب الهندي التي كانت تعتمد على الأمطار، تتطلب الآن آباراً ارتوازية في مناطق مرتفعة، سفوح جبل لبنان الشرقية ومناطق مثل مرجحين وجباب الحمر على ارتفاعات تصل إلى 1800 متر. هذه المناطق، التي كانت جزءاً من حوض العاصي وتزود الخزان الجوفي كميات ضخمة من المياه، أصبحت اليوم مناطق مستهلكة للمياه الجوفية، مما يهدد استدامتها بشكل مخيف ويزيد من عمق الأزمة".
ويعرض لـ"النهار" أرقاماً صادمة مثل تراجع تدفق نهر العاصي من 11 متراً مكعباً في الثانية إلى 3، إضافة الى جفاف ينابيع وبرك كانت تشكل خزانات طبيعية، من رأس بعلبك إلى الفاكهة، اللبوة، واليمونة، وتراجعت بشكل كبير. أما برك مرجحين وعيون أرغش التي كانت تشكل خزاناً طبيعياً، فقد تحولت إلى مستنقعات صغيرة جافة ومليئة بالطحالب والملوثات بسبب شح المياه، مما ينذر بـتصحر وشيك".
وإذ نبه المسؤولين الى "أننا أمام خطر حقيقي"، طالب بـ"سياسة رشيدة لإدارة المياه" واقترح
"إلزام المزارعين بناء خزانات لضبط الري، وتغيير نوعية الزراعات، ومنع حفر الآبار العشوائية، وإنشاء مرصد وطني للموارد المائية".
ويرى "أن مواجهة هذه التحديات، تطرح مجموعة من الحلول المستدامة، تشمل اعتماد نظم ري حديثة وفعالة، تشجيع زراعة المحاصيل المقاومة للجفاف، حصاد مياه الأمطار وتخزينها، إدارة فعالة للموارد المائية المتاحة، تقديم الدعم الفني والمالي الى المزارعين لتعزيز صمودهم".
إن الجفاف الداهم في بعلبك - الهرمل ليس مجرد مشكلة زراعية موقتة، بل هو قضية وطنية تتطلب تضافر الجهود الحكومية والمجتمعية والمنظمات الدولية لضمان استدامة القطاع الزراعي وأمن لبنان المائي والغذائي.
0 تعليق