المدينة العتيقة في تونس: قلب التاريخ ونبض الأصالة - ايجي سبورت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المدينة العتيقة في تونس: قلب التاريخ ونبض الأصالة - ايجي سبورت, اليوم الأحد 20 يوليو 2025 10:01 صباحاً

ايجي سبورت - في قلب العاصمة التونسية، وبالقرب من صخب العصر الحديث، تنبض "المدينة العتيقة" بروح الزمن الماضي، وكأنها لا تزال تحيا في عصرها الذهبي. هذه المنطقة، التي يعود تأسيسها إلى القرن السابع الميلادي، تمثل أحد أعرق النماذج الحية للمدن الإسلامية التاريخية في شمال إفريقيا. الدخول إلى أزقتها الضيقة المرصوفة بالحجارة أشبه برحلة عبر الزمن، حيث تمتزج الروائح المنبعثة من التوابل والعطور الشرقية بأصوات الباعة والنداءات اليومية، لتخلق أجواء غامرة تتجاوز حدود المكان والزمان. وعلى الرغم من مرور قرون من التغيرات السياسية والحضرية، لا تزال المدينة العتيقة تحتفظ بأصالتها وعراقتها، شاهدة على عصور مزدهرة من العلم والدين والفن والتجارة.

سوق بين الأزقة… حياة تنبض بالتقاليد

في قلب المدينة العتيقة، تقع الأسواق القديمة التي ما زالت تحتفظ بأدوارها الأساسية كما كانت قبل قرون. تُقسَّم الأسواق بحسب نوع النشاط أو الحرفة، مثل سوق العطارين، وسوق الصاغة، وسوق القماش، وسوق النحاسين. كل واحد منها يتميز بجو خاص ورائحة مميزة وأصوات تختلف حسب طبيعة المعروضات. الزائر لا يشعر بأنه يتسوق فقط، بل وكأنه يشارك في طقس اجتماعي واقتصادي حافظ على نفسه عبر الأجيال. الحرفيون يعملون أمام أعين الزوار، يصوغون الفضة، يطرّزون الأقمشة، ويعرضون منتجات تقليدية محلية تعكس روح الثقافة التونسية، من الأواني الفخارية إلى الأزياء التراثية.

وتضفي الحوائط العالية والممرات المظللة طابعًا من الحميمية على التجربة، حيث يتيح الجو الداخلي للمدينة العتيقة ملاذًا لطيفًا من حرارة الشمس في الصيف، ومكانًا دافئًا في الشتاء. ومن اللافت أن كثيرًا من هذه المحال التجارية ما زالت تُدار من قبل عائلات توارثتها عبر أجيال، وهو ما يعكس عمق العلاقة بين الإنسان والمكان في هذه المدينة الخالدة.

مساجد ومدارس وزوايا شاهدة على الإيمان والعلم

المدينة العتيقة ليست فقط مركزًا تجاريًا، بل هي أيضًا معلم روحي وثقافي عظيم. من أبرز رموزها مسجد الزيتونة، الذي يُعد من أقدم المساجد في شمال إفريقيا وأهمها، وقد لعب دورًا تاريخيًا كمركز للعلم والفقه والتدريس. يتوسط المسجد المدينة العتيقة، وتحيط به عدة مدارس علمية وزوايا صوفية، كانت تُستخدم لتعليم الفقه واللغة والعلوم الإسلامية. التصميم المعماري للمساجد في المدينة يتميز بجمال زخارفه، وأعمدته الرخامية، وساحاته الهادئة التي تمنح الزائر لحظة تأمل وصفاء.

وتضم المدينة العديد من المساجد الأخرى التي تتميز بهندستها الإسلامية مثل جامع يوسف داي، وجامع حمودة باشا، وغيرها من المعالم التي لا تقل أهمية عن نظيراتها في المدن الإسلامية الكبرى. هذه الأماكن ليست مجرد مبانٍ تاريخية، بل هي ما زالت نابضة بالحياة، يرتادها المصلون يوميًا، وتحمل في طياتها رمزية روحية عميقة لسكان المدينة.

عمارة تُحاكي ذاكرة حضارية ممتدة

المباني السكنية القديمة في المدينة العتيقة تشكل بحد ذاتها تراثًا معماريًا فريدًا، حيث المنازل ذات الأبواب الخشبية الضخمة، والنوافذ الحديدية المنقوشة، والساحات الداخلية المزينة بالزليج الملون تعكس طابعًا معماريًا تونسيًا أصيلًا متأثرًا بالفن الأندلسي والمغاربي. في هذه المنازل، تتعايش الخصوصية مع الجمال، حيث تُبنى البيوت نحو الداخل، وتُخصَّص الساحات المفتوحة للعائلة، في انسجام مع العادات والتقاليد الإسلامية.

الكثير من هذه البيوت تحوّل اليوم إلى دور ضيافة، أو معارض فنية، أو مقاهٍ تقليدية، ما يتيح للزائر أن يعيش التجربة من الداخل، لا كمجرد متفرج بل كضيف على حضارة حيّة. وقد أُدرجت المدينة العتيقة على قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 1979، تقديرًا لغناها الثقافي والمعماري، وجهود الحفاظ عليها كواحدة من أجمل المدن القديمة الباقية في العالم الإسلامي.

المدينة العتيقة في تونس ليست مجرد حي قديم، بل هي جوهرة نابضة بالروح، تحتفظ بأصالة ماضيها وتتنفس في حاضرها. زيارتها تمنح إحساسًا فريدًا بالانتماء إلى تاريخ طويل من الفنون، والحرف، والتديّن، والمعرفة. وبينما تتغير المدن من حولها، تبقى هذه المدينة صامدة، تُرحّب بزوارها بابتسامة من الماضي، وتدعوك لأن تصبح جزءًا من سردها العريق.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق