نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
محدّدات الموقف الباكستاني من الحرب الإسرائيلية على إيران وحدوده - ايجي سبورت, اليوم الأحد 13 يوليو 2025 06:55 صباحاً
ايجي سبورت - بقلم السفير أحمد فاضل يعقوب*
على الرغم من إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، عقب الحرب التي شنتها إسرائيل على ايران في الثالث عشر من شهر حزيران/ يونيو الماضي، والتي استمرت اثني عشر يوماً، يرى كثير من المراقبين أنه وقف هش، ومن الوارد تجدد هذه الحرب بينهما مستقبلاً. ومن بين مواقف الدول الإقليمية المهمة من هذه الحرب موقف باكستان الدولة النووية الجارة لإيران. فقد أثيرت اثناء هذه الحرب بعض التكهنات حول المدى الذى يمكن أن تذهب إليه باكستان فى تأييدها لإيران فى مواجهة الهجمات الإسرائيلية، وارتفعت بعض هذه الأمال والتكهنات بخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، بأن باكستان يمكنها أن تدخل الحرب إلى جانب إيران، وفسر البعض تصريحات وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف المساندة لإيران على هذا الأساس. وقد دعا كذلك إلى عقد مؤتمر لمنظمة التعاون الإسلامى للتعبير عن مساندة الأمة الإسلامية لإيران، وهذا الموقف القوي عبر عنه كذلك رئيس الوزراء الباكستانى، ووزير الخارجية، والبرلمان بكل أحزابة، كما كان موقف باكستان فى جسلتي مجلس الأمن، باعتبارها عضواً غير دائم حالياً، مؤيداً ومدافعاً عن إيران بشكل قوي وواضح كذلك.
ويمكن الإشارة إلى العناصر التالية المحددة للموقف الباكستاني:
1- ترى باكستان أن ضرب إسرائيل، ثم الولايات المتحدة، منشآت ومراكز أبحاث نووية يعد سابقة خطيرة على المستوى الدولي، وتخشى أن تستند الهند إلى هذه السابقة مستقبلاً فى صراعها مع باكستان، كما أن أي تسريبات إشعاعية نتيجة لضرب المنشآت النووية، يمكن أن تنتقل إلى باكستان والدول المجاورة وتسبب أضراراً خطيرة.
2- الحدود بين باكستان وإيران طويلة وتبلغ نحو 904 كم، وأي تدهور للأوضاع فى إيران عسكرياً وسياسياً، وما قد ينتج عنه من صراع داخلي إذا تهدد النظام القائم، سوف يؤثران حتماً على باكستان سلباً، كما يمكن أن تستقبل أعداداً كبيرة من اللاجئين، وهي لا تزال من الدول التى لديها مشكلة لاجئين أفغان ممتدة منذ الغزو السوفياتي لأفغانستان عام 1979 وفي منطقة حدودية فيها توتر، ولا تريد أن تستقبل لاجئين إضافيين من دولة جارة أخرى.
3- هناك تعاطف قوي من الرأي العام الباكستاني مع إيران، وعداء شعبي لإسرائيل نتيجة سياساتها فى المنطقة، وبخاصة أعمال الإبادة والتجويع وقتل آلاف المدنيين الفلسطينيين، إضافة إلى أن نسبة لا بأس بها من سكان باكستان هم من الشيعة (تختلف التقديرات ما بين 15% إلى 25%) ولديهم انتماء وتعاطف فطري تجاه الدولة الشيعية الوحيدة في العالم، كما لم تعترف باكستان بإسرائيل إلى الآن، ولم تقم معها أي علاقات ديبلوماسية.
حدود الموقف الباكستاني إزاء الصراع الإيراني- الإسرائيلي
إذا كانت العناصر السابقة هي أهم محددات الموقف الباكستانى، فما هى حدوده؟ بمعنى هل يمكن أن تذهب باكستان، في مرحلة ما، إلى مساندة إيران عسكرياً؟ يمكن أن نحدد الاعتبارات التالية:
1- باكستان لديها تركيز وقوات عسكرية رئيسية على (حدودها) المسماه خط السيطرة مع الهند، وحدث بالفعل صدام عسكري بينهما في أيار/مايو الماضي، انتهى إلى إعلان وقف لإطلاق النار فى 15 أيار 2025، ولكنه وقف هش ، في ضوء استمرار الخلاف الجوهري حول قضية كشمير، إضافة إلى مشكلات أخرى (الغاء الهند اتفاقية مياه نهر الاندوز)، كما لا تزال لديها مشاكل على الحدود مع أفغانستان، ومن ثم فلديها قوات جيش وأمن على هذه الحدود، إضافة إلى مواجهات من وقت إلى آخر مع تنظيم طالبان باكستان في محافظة خيبر باختونخوا (منطقة القبائل)، وبالتالي فإن انخراط باكستان بشكل مباشر عسكرياً لمساندة إيران سيخل بتركيزها على الجبهات الأخرى، وبخاصة الجهتين الهندية التى تبلغ نحو 3300 كم، والأفغانية 2460 كم.
2- على رغم علاقات باكستان القوية بالصين، بخاصة في مجال التصنيع العسكري، والمجال الاقتصادي ( المشروع الصيني الحزام والطريق الذي يمر عبر باكستان تبلغ استثماراته نحو 44 مليار دولار)، تسعى باكستان دائماً للحفاظ على علاقات قد ترقى إلى التحالف مع القوة العظمى الرئيسية في العالم، الولايات المتحدة، فقد كانت باكستان هي المنطلق الرئيسي للمجاهدين الأفغان وغيرهم، بدعم وتأييد من الولايت المتحدة لمقاومة الاحتلال السوفياتي لأفغانستان (1979-1992)، وعلى رغم علاقاتها المتميزة مع حكومة طالبان في فترة حكمها الأولى (1997-2001) لم تتردد بقيادة الجنرال برويز مشرف في الانضمام إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لإزالة حكم طالبان، واحتلال أفغانستان عقب أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر الإرهابية.
3- في الوقت الذي كانت تثور فيه التكهنات أو الأمنيات بوقوف باكستان عسكرياً مع إيران، كان قائد الجيش الباكستاني المشير (Field Marshal) عاصم منير يلتقى على غداء عمل فى البيت الأبيض الرئيس الأميركى ترامب، في التاسع عشر من حزيران الماضي، واثناء الحرب الإسرائيلية علي ايران، وهى سابقة تعد الأولى، إذ لم يسبق أن التقى أي رئيس أميركي قائداً للجيش الباكستاني بهذه الصفة فقط، وليس بصفته رئيس الدولة، وقد حضر هذه المقابلة كل من وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، والمبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، أما عن الجانب الباكستاني فلم يحضر أي مسؤول مدني، بل فقط حضر الجنرال محمد عاصم مستشار الأمن القومى، ومدير جهاز الاستخبارات. وأشارت التصريحات الصادرة من الجانبين بعد المقابلة بوضوح إلى مناقشة موضوع الحرب الإسرائيلية على إيران، وقد أشاد ترامب بالمشير عاصم منير، وذكر أنه كان له الشرف في لقائه، وأن باكستان تعلم عن إيران أكثر من أي طرف آخر. وعلى رغم بعض التكهنات فى الصحافة الباكستانية التي كانت تحذر من أن تكون الولايات المتحدة راغبة فى استخدام باكستان كنقطة ارتكاز، إذا ما تدخلت عسكرياً فى مهاجة إيران، كما حدث من قبل أثناء التدخل الأميركى عقب أحداث أيلول فى أفغانستان، أقدر ،على العكس من ذلك، أن يكون المشير عاصم منير أكد أخطار أي تدخل أميركى فى إيران عسكرياً أو عبر محاولة اسقاط النظام الإيراني، وصعوبته حتى على الجانب الأميركي عسكرياً، وعلى المنطقة والإقليم، كما أتوقع وفق تحليل ما بين السطور في البيانات الصادرة من الجانبين أن يلمح الجانب الباكستاني إلى أهمية حدوث سلام فى المنطقة وأن تحل القضية الفلسطينية.
وفى ضوء ما سبق، تقديري أن باكستان ستظل على موقفها المساند سياسياً بكل قوة لإيران في صراعها مع إسرائيل، وحتى إذا ما تجدد العدوان الإسرائيلي عليها، وربما تقدم في المرحلة الحالية بعض المعدات العسكرية أو الذخيرة، والاستشارات الاستخبارية، ولكنها قطعاً لن تتدخل عسكرياً بثقلها إلى جانب إيران مستقبلا.
*مساعد وزير الخارجية المصري سابقا وسفير مصر لدى باكستان سابقا وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية
0 تعليق