نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
شعب يسير في الممنوع - ايجي سبورت, اليوم الأحد 13 يوليو 2025 09:09 صباحاً
ايجي سبورت - قبل عشر سنوات من سنتنا هذه، كنت أعمل بجريدة التحرير التي كان مقرها في شارع دمشق بحي المهندسين، وفي صباح أحد الأيام وجدتني أمام مشهد غريب.
كان أحد الضباط أصحاب الرتب المتوسطة يقف هادئًا بجوار سيارة شرطة متواضعة، كانت الناس تمر كعادتها في الشارع، فيشير الضابط بهدوئه وثقته إلى أحدهم، يلبي المشار إليه إشارة الضابط، يتبادلان كلمة أو كلمتين ثم يصعد المواطن هادئًا، إلى سيارة الشرطة!
الغريب أن الضابط كان يشير لهذه ويترك تلك، ويشير لهذا ويترك ذاك، لماذا يشير لهؤلاء ويترك أولئك؟
توجهت ناحية الضابط وقدمت له نفسي، فابتسم راضيًا عن عمله ثم قال: كل هؤلاء لا يحملون أوراقًا ثوبتيه، من أي نوع، لا بطاقة الرقم القومي ولا جواز سفر ولا رخصة قيادة ولا حتى بطاقة مشتريات.
سألته: لماذا تستوقف البعض وتترك الآخرين يمرون في سلام؟
أجاب: أنا أستوقف الذين أشك بأمرهم، والحمد لله، النتيجة كما ترى، كلهم لا يحملون أي أوراق ثبوتية.
عدت لأسأله: وكيف عرفت أنهم لا يحملون المستندات الضرورية؟
رد: هذا عملي، بعد رحلة تدريب وبعد تجارب كثيرة، أصبحت أعرفهم من طريقتهم في السير.
قلت: هل الموضوع فراسة؟
قال: لا، هذا نتاج تدريب وصحوة ذهن.
قلت: سأكتب مقالًا عن هذا المشهد وسأجعل عنوانه "شعب من الفاقدين".
ابتسم ثم قال: علينا أن نعترف بأننا شعب من الفاقدين، يغادر الواحد منا منزله، ولا يضع في حساباته تعرضه لأي موقف يضطره إلى إثبات هويته، هذا الامر خطير ويجب أن نتوقف عن ممارسته.
تذكرت تلك القصة القديمة وأنا أقرأ بعناية ما نشرته وزارة الداخلية المصرية عن المخالفات المرورية التي وضعت يدها عليها في النصف الأول من عمنا هذا 2025. كان الرقم مفزعًا إذ قال بيان الداخلية: خلال الستة أشهر الأولى من هذا العام تمكنا من تسجيل 18 مليون و63 ألفًا و363 مخالفة.
أعرف أنك قد تستهين بالرقم، وتقول: نحن أكثر من مئة مليون والثمانية عشر مليون لا تمثل شيئًا!
الحقيقة أنها تمثل أشياء لا شيئًا واحد، وهذا الرقم أكبر من عدد مواطني عدة دول أعضاء في الأمم المتحدة!
ثم الموضوع ليس متعلقًا بالبشر أولًا وإن كان سينعكس عليهم يقينًا، الموضوع موضوع سيارات لا تعداد بشري، وعن السيارات قال مركز دعم واتخاذ القرار بمجلس الوزراء ما يلي: "بلغ إجمالي عدد المركبات المرخصة بمحافظات الجمهورية 10,41 ملايين مركبة في نهاية عام 2024 مقابل 9.95 ملايين مركبة في نهاية عام 2023 بنسبة ارتفاع قدرها 4.7٪.
جـاءت محـافـظة القـاهـرة في المرتبـة الأولــــى؛ حيث بلغ عــدد المركــــــبات بـــها 2,7 مليون مركبـــة بنســبة 25,9٪ ومحافــظة الجيــزة في المرتبــة الثانية بعدد 1,5 مليـون مركبة بنسبة 14,2٪ ثم محافظة الإسكندرية في المرتبة الثالثـة بعدد 745,6 ألف مركبة بنسبة 7,2٪ وجاءت محافظة جنوب سيناء في المرتبة الأخيرة؛ حيــث بلغ عــــدد المركبـــــــات بها 44,6 ألف مركبـة بنسبة 0,4 ٪ من إجمـــالي المركبـــــات".
رقم المركز صدر حديثًا فلو حدثت له طفرة، فلن يقلل ذلك من فزعي من رقم المخالفات لأنه يعني بوضوح أن كل سيارة مصرية ترتكب كل نصف عام قرابة المخالفتين!
فهل هذا الموقف يجب التقليل منه أو الاستهتار به؟
في تفاصيل بيان الداخلية قرأت ما يلي: "تصدرت مخالفات تجاوز السرعة قائمتها بنسبة 48% برصيد 8 مليون و679 ألفًا و180 مخالفة، يليها المخالفات المتنوعة والتي من أبرزها «بدون ملصق، آلة تنبيه، استخدام سارينة وفلاشر، وملصقات» بنسبة 23%، برصيد 4 مليون و230 ألفًا و650 مخالفة.
مخالفات الانتظار الخاطئ بنسبة 16% برصيد مليونين و975 ألفًا و893 مخالفة، ثم مخالفات النقل الثقيل، والسير بدون رخصة بنسبة 2% على حد سواء، برصيد 400 ألف و641، و286 ألفًا و894 مخالفة بالترتيب.
مخالفة التحدث في الهاتف المحمول أثناء القيادة، ومخالفات الصلاحية الفنية بنسبة 1% برصيد 128 ألفًا و217، و106 ألفًا و794 مخالفة بالترتيب.
تعاطي السائقين للمواد المخدرة برصيد 2250 من أصل 54867، أي تمثل 4% فقط منها. عدم ارتداء خوذة الرأس للدراجات النارية 83 ألفًا و682 مخالفة".
لقد تعبت من إعادة نشر البيان الذي نشرته كبريات الصحف وأهم المواقع الإخبارية، فماذا نحن فاعلون؟
كل المخالفات سواء، لأنه لا توجد مخالفة تفيد ولا وجود لمخالفة لا تضر، المخالفة تعني بوضوح أن مرتكبها لا يحترم الا الدستور ولا القانون ولا حقوق الآخر، بل لا يحترم حياته هو، فكثيرًا ما حدثنا علماء النفس عن أهمية التفريق بين بؤرة الشعور وهامش الشعور، والذي يقود سيارة يجب أن تكون فنيات القيادة في بؤرة شعوره، ولكنه عندما يتحدث عبر المحمول تتراجع فنيات القيادة من بؤرة الشعور إلى هامشه، وساعتها سيرتكب بدون شك حادثة قد يدفع هو حياته ثمنًا لها.
أعلم أن العقوبات لن تنهى الجرائم، ولكنها تغليظها وتنفيذها بصرامة سيقلل من معدلات الجرائم ولا شك في هذا.
فمتى سنتعلم الدرس ونصبح شعبًا مستقيمًا لا شعبًا يسير في الممنوع.
0 تعليق