ايجي سبورت - في قلب جنوب الصين، تتعرّج مياه نهر لي (Li River) بين التلال الخضراء والتكوينات الصخرية الفريدة، مشكّلة واحدة من أروع التجارب البصرية التي قد يحظى بها المسافر في حياته. الرحلة بين مدينتي قويلين ويانغشو لا تشبه أي رحلة نهرية تقليدية، فهي تجسيد نادر لجمال طبيعي تحوّل إلى رمز فني وثقافي في التراث الصيني، حيث تُجسَّد مشاهد النهر والجبال على اللوحات، والأوراق النقدية، وحتى في أشعار الحكماء القدامى. إنها ليست مجرد رحلة في المياه، بل عبور في لوحة حية لا تتكرر.

يشتهر هذا المسار النهري بطبيعته الكارستية، وهي تضاريس نادرة تشكّلت بفعل تآكل الحجر الجيري عبر ملايين السنين، فأنتجت تلالًا مخروطية شاهقة، وكهوفًا غامضة، ومنعطفات ساحرة تعجز الصور عن نقلها كما تراها العين.

من قويلين إلى يانغشو: درب المياه والجمال

تبدأ معظم الرحلات من مدينة قويلين، وهي نقطة انطلاق مثالية لبدء المغامرة عبر نهر لي. تستغرق الرحلة النهرية في المتوسط أربع إلى خمس ساعات، تُقضى وسط مناظر ساحرة تثير الدهشة في كل لحظة. القوارب الصغيرة أو السفن السياحية المزودة بمنصات مفتوحة تتيح للمسافرين التمتّع بالمشهد من كل زاوية، بينما يمرّون عبر أماكن مثل جبل فيوماونتن، وتلال التاسعة عشرة، وقرية شينغ بينغ القديمة.

ما يميز هذه الرحلة أنها لا تقدم مناظر مكررة، بل يتبدّل المشهد مع كل انعطافة، فتارة ترى جبلًا كأنه إصبع يشق السماء، وتارة أخرى تظهر قرية نائية عند أقدام تلال خضراء، أو مجموعة من الصيادين المحليين يستخدمون طيور الغاق لصيد السمك، في تقليد نادر ما زال يُمارس هنا.

تجربة بصرية وهادئة لا تنسى

منذ اللحظة الأولى، يلاحظ المسافر أن الرحلة لا تقوم على الإثارة السريعة، بل على البطء المتعمد الذي يسمح للعين والعقل باستيعاب التفاصيل. الضباب الخفيف في الصباح، والانعكاسات الهادئة على سطح الماء، وصمت الطبيعة المكسور فقط بأصوات الطيور أو هدير الماء الخفيف، تجعل التجربة أقرب إلى التأمل منها إلى السياحة.

هذا النوع من الجمال الهادئ هو ما جعل نهر لي يظهر مرارًا في الفن الصيني التقليدي. حتى عملة اليوان الصينية طُبِع عليها أحد مشاهد النهر، تقديرًا لقيمته الجمالية والوطنية. ولذلك فزيارة هذا المكان هي أيضًا لقاء مع روح الثقافة الصينية، وتجسيد لحكمة الطبيعة.

يانغشو: نهاية الرحلة وبداية الاستكشاف

عند الوصول إلى بلدة يانغشو، يتحول الانبهار بالنهر إلى انفتاح على تجربة جديدة. فالمدينة صغيرة لكن نابضة بالحياة، ومليئة بالمقاهي الهادئة، والأسواق المحلية، والأنشطة التي تكمّل الرحلة النهرية، مثل ركوب الدراجات بين الحقول، أو تسلق الجبال، أو حتى حضور عروض مسرحية ليلية تقام على سطح الماء مباشرة.

الليالي في يانغشو لها طابع خاص، حيث تتلألأ الأضواء على ضفاف النهر، وتُعزف الموسيقى الهادئة، ويستطيع الزائر أن يسترجع في ذهنه مشاهد اليوم في أجواء من الصفاء والسكينة.

تظل رحلة نهر لي تجربة يصعب نسيانها، فهي تجمع بين الجمال الطبيعي النادر، والهدوء الذي نفتقده في زحمة الحياة، وملامح الثقافة الصينية الأصيلة. إنها دعوة مفتوحة للمسافر أن يترك العجلة جانبًا، ويكتشف كيف يمكن للطبيعة أن تبهرنا دون ضجيج، فقط بمنحنيات نهر وكتف جبل.