نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل تغيّر السعوديون؟ هل تغيّرت سياساتهم؟ - ايجي سبورت, اليوم الاثنين 14 يوليو 2025 12:28 صباحاً
لقد شكّلت المملكة العربية السعودية طوال المئة عام الماضية من تاريخ دولتها الثالثة «عقيدة سياسية» ثابتة وصلبة، تحطّمت على أسوارها الكثير من محاولات إزاحتها أو تغييرها، سواء عبر التآمر أو حتى الحروب المباشرة.
بنى الملك عبد العزيز -رحمه الله- أساسًا متينًا لتلك العقيدة السياسية، كان من بواكيرها الحياد التام في أهم صراع في تاريخ البشرية -الحرب العالمية الثانية-، وفي الوقت نفسه كان الملك الذي أخذ على عاتقه استعادة مُلك آبائه، عمليًا ومقاربًا لحلف خارجي كان يرفض الاستبداد العسكري، ولذلك كان الملك عبدالعزيز أول قائد وزعيم يلتقيه المنتصرون في الحرب –روزفلت وتشرشل– لأن المملكة الناشئة ملكها الكبير استطاع أن يؤسّس لبلاده دورًا مستقبليًا في قيادة العالم استمر حتى اليوم.
دعونا نلخّص أبرز ملامح العقيدة السياسية في تعريفها العلمي، وهي:
«مجموعة المبادئ والتوجهات الأساسية التي تُوجّه سلوك الدولة في الشأنين الداخلي والخارجي، وتشكّل الإطار الذهني لصانع القرار في تفسير التهديدات، وتحديد الأولويات، وبناء التحالفات، ورسم السياسات الاستراتيجية على المدى الطويل».
ولعلنا نلخّص هنا أبرز ملامح العقيدة السياسية السعودية التي بناها المؤسس الملك عبدالعزيز، واستمر عليها أبناؤه الملوك من بعده حتى اليوم، مع التأكيد على أن كل ملك أدار دولته بما تستوجبه الظروف، ولكن ضمن الإطار السياسي السعودي الثابت.
أولًا: السيادة الكاملة:
حرص السعوديون في كل مناسبة ومحفل على التأكيد على استقلال القرار السعودي دون خضوع لمحاور دولية أو تنظيمات عابرة، مهما كانت الضغوط أو المخاطر. فقد أثبت السعوديون طوال قرن أنهم محايدون بارعون.
ثانيًا: البراغماتية الواقعية:
تقديم المصالح الوطنية والاقتصادية على الأيديولوجيا أو التحالفات التقليدية، مهما كانت الضغوط الشعبوية أو الخارجية، أو الاستنزاف الذي تمارسه القوى في الإقليم أو خارجه. وهناك الكثير من التجارب؛ فالسعوديون لم ينجرفوا مع الخطابات الثورية، ولا اليسارية والاشتراكية، ولا الليبرالية المنحرفة.
ثالثًا: التحول التنموي:
كانت وما زالت السياسة الخارجية والداخلية توجَّه لخدمة التنمية والتعليم وتطوير المجتمع المحلي كهدف استراتيجي شامل، وهو ما أثمر عن دولة عصرية متعلمة استطاعت اختصار الزمن. فمن يتذكر مدرسة البعثات التي أُسِّست في عهد الملك عبدالعزيز، لا بد أن يربطها ببرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث.
رابعًا: تنويع الشراكات الدولية:
عملت الرياض على توثيق العلاقات مع قوى كبرى موجودة أو قادمة (أمريكا، الاتحاد الأوروبي، الصين، روسيا، الهند، البرازيل، جنوب أفريقيا)، وعدم الارتهان لطرف واحد.
خامسًا: ترسيخ القيادة العربية والإسلامية:
كون السعودية هي أرض العروبة، وفي مرابعها خرجت اللغة العربية، وفيها مهبط الوحي، ومنها انطلق أجداد السعوديين من صحابة وتابعين، فقد وضعت المملكة العربية السعودية وملوكها وأجهزتها كل إمكاناتها من أجل خدمة الحرمين الشريفين، وتأهيل المشاعر المقدسة لاستقبال مئات الملايين من الحجاج والمعتمرين والزائرين. كل ذلك جعل من السعودية قائدة للعالم الإسلامي المعتدل، ورسّخت الإسلام كقوة معتبرة في العالم.
أما ما يخص عالمها العربي، فقد كانت الأكثر حرصًا على الأمن العربي ومنع أي تدخل في شؤونه من قوى إقليمية أو دولية، وبقيت ترفع شعارًا طبّقته بدقة: «شؤون العرب للعرب»، ولذلك سقط على أسوارها الكثير من المشاريع العابرة التي أرادت تحطيم الفضاء العربي.
سادسًا: محاربة الإرهاب واستخدام العقائد والأديان لتبرير العنف:
لقد كان السعوديون في مقدمة محاربي الإرهاب ورفض التنظيمات الدينية التي تستخدم السياسة والدين لتبرير القتل والعنف، ولا تزال المملكة من أكثر الدول مساهمة في الحرب على الإرهاب والقضاء على منابعه.
سابعًا: تثبيت الهوية الوطنية:
قام السعوديون بجهود واضحة في التركيز المطلق على الهوية السعودية الجامعة، بدلًا من أي هوية عرقية أو إقليمية أو أيديولوجية تُفرّق ولا تجمع، والارتقاء بهويتهم السعودية لتكون مرجعية عليا حصرية.
ثامنًا: بناء قوة إقليمية رادعة:
كلما ذُكر التسليح السعودي، لا بد من التذكير بالأواكس، والـ F15، وصواريخ رياح الشرق، وبطاريات الباتريوت التي وصلت للسعودية على مدى سنوات من الجهد العسكري الصلب، وصولًا إلى ما قبل أيام عندما بدأ تركيب بطاريات صواريخ «ثاد»، الأحدث في منظومات الدفاع الجوي. لم يكن ذلك إلا لبناء منظومة عسكرية وتكنولوجية ممتدة تفرض معادلة الردع السعودي في إقليم مليء بالفشل والحروب.
تاسعًا: تحييد القوى الإقليمية المحاربة للسعودية دون مواجهة مباشرة:
لم تكن السعودية في حاجة لمواجهة مباشرة مع أحد، فالحكمة السياسية ضالتها التي لطالما تبنتها واتبعتها في علاقاتها مع الإقليم أو خارجه، من خلال استخدام أدوات متعددة (الحوار، التحالفات، الاقتصاد، وأخيرًا الردع غير المباشر) لاحتواء أي تهديد.
عاشرًا: أولوية الاستقرار الداخلي:
أدرك السعوديون مبكرًا أن التنمية هي أساس الاستقرار، وأن احتكار السلطة والمال والمعرفة مفسدة أيّما مفسدة، ولذلك عملوا بجهد على إشراك جميع مواطنيهم من خلال توزيع الثروة عبر الصناديق والمنح والوظائف، وتمكين القطاع الخاص، ونشر العلم والمعرفة بشكل واسع، حتى تم القضاء على الأمية تمامًا.
ومنذ أرسل الملك عبدالعزيز ابنه الملك فيصل إلى موسكو بدايات العهد السعودي، وابنه الملك سعود إلى أمريكا، ومستشاريه الآخرين ليجوبوا عواصم العالم المتقدم –حينها– بحثًا عن تكنولوجيا أو مشاريع تعمّر الإنسان والأرض وتَجلب المياه، كانت الدولة السعودية، ممثلة في ملوكها، تدرك أن التنمية الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية في الداخل أولوية قصوى، بدلًا من التورط في مغامرات خارجية، وهو أمر استنزف دولًا أخرى عملت على نشر أفكارها أو عقائدها على حساب شعوبها.
وهنا يبرز سؤال مهم: هل تغيّرت العقيدة السياسية السعودية خلال العقدين الأخيرين؟
عقدان هما -في نظر الكثير- أعنف ما مر على منطقة الشرق الأوسط منذ قرن، على إثر ما يُسمى بالربيع العربي، وانفجار الأوضاع في دول مثل ليبيا وتونس والسودان وسوريا ولبنان، وحروب عدة متشابكة ما بين عصابات إرهابية وبين حكومات!
الإجابة يمكن أن تكون مقاربة أكثر منها إجابة قاطعة؛ فالسعوديون -بالعادة- واقعيون وعمليون، وإذا وجدوا أن هناك ضرورة للتغيير، فهذا يحدث، ولكن بشكل تدريجي، لا يمس القيم الأساسية (مثل العقيدة، السيادة، الاستقلال)، بل في أدوات التنفيذ، وأولويات التحالف، ونطاق الدور الإقليمي.
السعوديون لم يتخلوا عن جذور عقيدتهم السياسية التقليدية، النابعة من بداوتهم الأصيلة، وإسلامهم النقي، وعروبتهم الصافية، لكنهم أعادوا صياغتها بما يناسب دولة تسعى للريادة في عالم لا بقاء فيه إلا للأقوى اقتصاديًا وحضاريًا وتكنولوجيًا، ومنها جاءت «رؤية 2030» التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لتشكّل مع العقيدة السياسية السعودية أداة تنفيذ متقدمة لها، وليكون التطوّر ليس على حساب الجوهر، بل في الوسائل، والأولويات، والخطاب، والنظرة للذات السعودية، والآخرين.
أخبار ذات صلة
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : هل تغيّر السعوديون؟ هل تغيّرت سياساتهم؟ - ايجي سبورت, اليوم الاثنين 14 يوليو 2025 12:28 صباحاً
0 تعليق