نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من أبوظبي إلى القوقاز... قراءة في الوساطة الإماراتية بين أرمينيا وأذربيجان - ايجي سبورت, اليوم الاثنين 14 يوليو 2025 09:29 مساءً
ايجي سبورت - في عالم يفيض بالأزمات، تبرز مبادرات السلام نافذة أمل نادرة، تحتاج إلى من يؤمن بها، ويملك الإرادة والإمكانات لجعلها واقعاً. ما شهدناه أخيراً في أبوظبي من لقاء تاريخي جمع رئيس أذربيجان إلهام علييف ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، ليس مجرد لقاء سياسي عابر، بل تجسيد حي لمعادلة إماراتية جديدة في العلاقات الدولية: السلام لا يُفرض، بل يُصنع.
منطقة القوقاز، التي طالما حوصرت في دائرة “اللاعقد واللاحل”، بدأت تُفتح على إمكانات غير مسبوقة، ليس بسبب رغبة أطراف النزاع في طي صفحة الماضي فحسب، بل لأن الإمارات وضعت ثقلها السياسي والديبلوماسي لدعم التحول، بعيداً من ضجيج المحاور ومصالح اللاعبين الكبار.
ما جرى في أبوظبي يذكّرنا بوساطة إماراتية سابقة أنهت أطول نزاع في إفريقيا بين إثيوبيا وإريتريا عام 2018. ويعيد إلى الأذهان الدور الفاعل الذي قامت به الإمارات في ملف تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، عندما نجحت خلال عام فقط في رعاية 15 عملية تبادل، شملت أكثر من 4000 أسير. كل ذلك ليس محض مصادفة، بل هو ترجمة لسياسة متكاملة تنبع من مبادئ الإمارات العشرة للخمسين سنة المقبلة، التي وضعت السلام، والازدهار، والشراكات الفاعلة في صلب رؤيتها الاستراتيجية.
في كل مرة تتوسط فيها الإمارات، لا تحاول فرض حلول جاهزة، ولا تصوغ السلام على قياس نفوذها، بل توفر المساحة الآمنة، وتزرع الثقة، وتمنح الأطراف المتنازعة الفرصة ليصنعوا قرارهم بأنفسهم، كما حصل في قمة أبوظبي الأخيرة بين باكو ويريفان. وحتى اختيار العاصمة الإماراتية كمكان للقاء، لم يكن اختياراً بروتوكولياً، بل تعبير عن اقتناع الأطراف بأن الإمارات بلد محايد، شريك موثوق، لا يحمل أجندات خفية.
القوقاز ليست هامشاً جغرافياً، فالمنطقة تقع عند نقطة التقاء آسيا بأوروبا، وتشكل عقدة استراتيجية في ممرات الطاقة والتجارة، خصوصاً مع بروز مشاريع مثل “الطريق الأوسط” الذي يربط الصين بأوروبا، وخط زنغزور الحيوي، الذي قد يعيد رسم خريطة الربط الإقليمي. لذا، فإن أي اتفاق سلام بين أرمينيا وأذربيجان لن يكون مجرد وثيقة ثنائية، بل خطوة نحو تحويل القوقاز إلى مركز استقرار وتنمية، بدلاً من أن تبقى بؤرة تنافس وصراع.
وهنا تبرز أهمية الدور الإماراتي، فالمعادلة ليست في تقريب وجهات النظر فحسب، بل في فتح المجال أمام مشاريع تنموية كبرى تعيد تشكيل أولويات المنطقة. وعندما تتحدث الإمارات عن السلام، فإنها تربطه بالتنمية، بالاستثمار، بالطاقة المتجددة، وبشراكات عابرة للحدود تعزز الأمن وتخلق فرصاً، وتمنح الشعوب بديلاً من الحرب واليأس.
الإمارات تقدم رؤية أخلاقية قبل أن تكون سياسية، فقوتها الديبلوماسية تكمن في ثقة الآخرين بها، وفي قدرتها على الجمع لا التفريق، وعلى بناء الجسور بدلاً من حفر الخنادق. وهو ما عبّر عنه بوضوح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، خلال لقاءيه المنفصلين مع الرئيس علييف ورئيس الوزراء باشينيان، حين أكّد حرص الدولة على دعم كل الجهود التي تهدف إلى ترسيخ الأمن والاستقرار في منطقة القوقاز، وتحقيق التنمية والازدهار لشعبي أرمينيا وأذربيجان.
كما أن تغليب الإمارات لنهج التعاون، والاعتماد على المبادئ لا المصالح الضيقة، يجعل منها نموذجاً مختلفاً في وساطات السلام. فهي تدرك أن استدامة الاستقرار لا تأتي من توازنات القوة، بل من بناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل، وتمكين الدول من استعادة دورها كفاعل سيادي، وليس مجرد ساحة نفوذ لغيرها.
ما يجري في القوقاز اليوم، وما جرى في القرن الإفريقي، وما يتكرّر في وساطات الحرب الأوكرانية، يؤكد أن هناك فرصة حقيقية لصوغ نظام دولي جديد، لا يقوم على فرض النفوذ، بل على الشراكة في التنمية. الدور الإماراتي في هذا السياق ليس مجرد وسيط حيادي، بل حامل لمشروع سلام عابر للأزمات، ومبادر لرسم مسارات المستقبل، في عالم يضج بالصراعات المزمنة.
0 تعليق