قمح وثلج ونار - ايجي سبورت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
قمح وثلج ونار - ايجي سبورت, اليوم الثلاثاء 15 يوليو 2025 09:35 صباحاً

ايجي سبورت - ليليان خوري 

 

 

 

اخذت الكتاب بفرح طفلة حينَ تتلقّى هديتها، فتعبث زهواً وتتبختر بحركاتٍ سعيدة ملؤها الامتنان والانشراح.
كيف لا وكاتب هذه الرواية احد دكاترة الجامعة اللبنانية جوزف عساف الذي كانت الحصّة التعليمية معه تنساب كالماء العذب، تتمنّى لو يتوقّف الوقت ولا يمّر بسرعة.
تلقّفت الكتاب بين يدّي بلهفةٍ عاطفية وفضولية، متسائلةً عمّا ستكون عليه الرواية وقصتها.

 

 

بدأت بالقراءة، ومنذ السطور الاولى، ادركت انني وقعت في فخّ التعلّق بها، وبأسلوبٍ "ماكرٍ" محبّب يوقعك في شِباكِ القصّة، فلا تنجو الا وقد انهيتها في يومين. 
تنجذب الى القصّة بعفوية خصوصاً أن ألف قصّة وقصّة تجتمع فيها، وتألف معها شخصيات مبتكرة ومتعددة.
تبدأ القصة بأسلوبٍ معلومٍ مجهول، يرميك عساف فوراً في قلب الاحداث، تنساق اليها بتلقائية، من خلال الوصف الذي يبتدعه. على سبيل المثال مثلاً: "كانت تنزلق قدمي آنيتا في الثلج". تشعر كأنَّ قدميك هما اللتان تسقطان.
يتميّز الكاتب، بقدرة ان يسجن افكارك في جوهر القصة ويحييكَ في كل تفاصيلها.
لم يستحوذ الكتاب في طيّاته على قصةٍ واحدة. بل ابتدع قصصاً متنوّعة، هادفة في معانيها، تنشر الوعي عبرَ آنيتا الفتاة الريفية التي قاست الحياة في منزل ذويها من خلال تربية تحجّم الفتاة وتتحكّم بمستقبلها.
 قرّرت آنيتا ايذاءها، الهرب مع صديقتها ناديا الى المدينة التي لم تكن ارحم عليها، مع وجود اشرار يتحرشون بالفتيات ويستغلون ضعفهن وحاجاتهن.
في معرض قصة آنيتا، تبرز قصة هدى التي تنصاع الى زواجٍ من رجلٍ آخر "عواد". بعد ان رفض حبيبها سامر الزواج منها، لاعتباراتٍ كثيرة. 
هنا يبتدع الكاتب وصفاً قائلاً: "خَنَقَ حبّه لهدى بمشورة العقل وحكمه، وها هو اليوم ينتفض عقله على ما اذعن له الامس".
سردَتِهِ الفلسفية البسيطة المفهومة، لا تشبه الفلسفات الاخرى التي لا يفهمها احد غير كاتبها.
فمثلاً حين اسهب في القول: "عقله يريد الممكن ولا ممكنَ ممكنٌ في حياته الغارقة في الفقر ومحدودية الوسائل، وروحه تريد المطلق ولا مطلقَ ممكنٌ الا في احلام الشعراء والمبدعين من الذين اماتوا عقولهم ليحيوا ارواحهم وطلّقوا ممكناتهم ليربحوا مطلَقاتهم".
" مأساته انه ظلّ يدور حول وجوده الناقص في الممكن والناقص في المطلق". 
يطول السرد وروعة التعبير، ويتخطى السرد البسيط للقصة ليدخل في تشريحٍ فلسفي جميل وعميق للفكر والحالة.
يدخل الكاتب بعدها في مقارنة بين  علاقة سامر مع هدى وبينه وبين آنيتا، "معتبراً ان فشله معها هو فشلٌ لطموحه البورجوازي، وعجزه مع آنيتا هو عجزٌ للكتابة التي لم تمنحه الاكتفاء والابداع في سرد الكلمة واستسلامه لها".
ثم مع السرد الجميل في القصّة يمرّر الكاتب لفتة توعوية، حول تراجع تداول الصحافة الورقية بين الناس وتعلّقهم بمتابعة الاخبار من خلال الهواتف الخليوية واهتمامهم السطحي بمراقبة صور الناس وحياتهم.
في القسم الاخير عَوْدٌ على بدء مع آنيتا التي قررت العودة الى جذورها وضيعتها وعائلتها، بعد ان  تركتها قسراً لتواجه من جديد، قدراً هربت منه يوماً، ولم تستطع ان تنسلخ نهائياً عنه.
 عادت آنيتا، مع كل اوجاعها من مكانٍ بعيد، لم تختبر فيه سوى الفشل والخيبات، أضاعت فيه أحلاماً وردية وحباً لسامر لم يكتمل فصولاً .
عودة آنيتا الى دارها الفقيرة ورؤية أمها التي خسرت وعيها وعقلها نتيجة هروب ابنتها، ورحيل والدها من الضيعة بسبب ألسنة الناس التي رغت طويلاً بقصتها. 
هذه الاستحقاقات ستواجهها آنيتا بقوة وتتقبلّها برغبة التكفير عن ذنبٍ اقترفته في حق نفسها، وفي حق والدة تعيش غربةً عن واقعها وتفتقر الى عاطفة وأمومة خسرتهما يوم خسرت ابنتها.
لقاء فلاديمير حبها الاول، وذاك التفهّم الانساني الذي ابداه كان إنذاراً حرّك فيها قوة مطلوبة حيال نفسها وحيال والدتها، وحيال مجتمع ستواجهه آنياً ومستقبلاً.
في الصفحات الاخيرة،  وبعد ان تتحسّس مع آنيتا ثقل الواقع، والتحدي الكبير الذي تحياه من جديد. 
يفاجئنا الكاتب بحدثٍ مفاجىء لم نتوقعه يبلسم جروحاً عانيناها مع آنيتا في الحياة.
 يُطرَق باب آنيتا من جديد على مستقبلٍ واعد، يحمل الأمل ويبدّد الكثير من الاوجاع  في كوخها الفقير، وهو مجيء سامر  الى حياتها، ليكمل كتابة قصة آنيتا يكون فيها البطل الثاني الى جانب بطلتها الاولى. بما يعني كتابة فصل جديد معاً.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق