عشب الانتظار المرّ في "فوكسهول" حسّان شمّاس - ايجى نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عشب الانتظار المرّ في "فوكسهول" حسّان شمّاس - ايجى نيوز, اليوم الأحد 3 أغسطس 2025 09:15 صباحاً

ايجى نيوز - عندما تنعتق الألوان من محاجرها، تدرك بصائر الروح سرّ الجمال الذي يجتاح الخيال، وتعي أنّ الروعة صورٌ معلّقة على الأعتاب القديمة للمخيّلة. فنظرك أيّها الناظر إلى لوحة حسّان شمّاس، يتوضأ بوداد الحنين من بصمة عمر رحل ولن يعود، وبقي منه أثرٌ على قماشٍ يحاول أن يصعد إلى سيارة "مش عن تمشي بدها حدا يدفشها دفشة".

يستبطن الشوق حنان الذكريات، ويمسك في القلوب هفوة العودة إلى ايّام كانت السيّارة عجيبة من عجائب الدنيا، مركونة على رصيف العمر.

"فوكسهول" الماضي الجميل لا تنتمي إلى دولة معيّنة، صحيح أنّه معروف بلد المنشأ، لكنّه مجهول بلد الانتماء. وصحيح أنّ لوحتها تحمل أرقاماً، لكنّها أعدادٌ إذا طَبَّقت عليها جميع العمليّات الحسابيّة من جمعٍ وطرحٍ، تبقى عابرة لحدود الجغرافية والزمن، على الرغم من أنّها لا تستطيع خرق جدار النوستالجيا.

 

ماجت فرشاة شمّاس مع خيالٍ من ألوان الشفق، فأزهرت من خلاله أوردة الشغف الجموح. وركنت اللحظة الهاربة السيارة على أرضٍ يكسوها عشب الانتظار المرّ. وبقي الحنين يلاحق إطارات لا تدور، يفتّش عن مسك الّلذة بين أطياف الماضي.

ضمن إطار الّلوحة لذّة المكان، ينساب في فضائه غنج الضوء، ويختال دلالاً مع اللون الباهر، هذه اللّذة، تعيد المشاهد ولداً يحاول فتح أبواب أقفلها الصدأ، وتسكير زجاج نوافد فتحها من صعد إليها، وتركها مفتوحة بعد نزوله من السيّارة لرياح عصفت في الماضي، وروت حكاياته للحاضر. ويفتّش عن زمّور أخرسه صمت المكان والزمان، وطارة اشتاقت لقبضة سائق متمرّس ليعتق السيّارة من الجمود إلى الاتّجاهات الواعدة.

الألوان مع حسّان شمّاس، لها طعم العشق حتى الثمالة؛ لأنّ الّلون معه يمارس رقصاً على حدود الماضي لم نعهده من قبل. تنظر إلى لوحة تنسكب منها روائع تريح البصر، وتشعل الحنين، فتعرف أنّ هذا الإنسان ولد وفي يده فرشاة رسم، أو في مشغلٍ يحوي على تلك الّلوحات الجميلة سُكبت فيه ألوان وألوان.

لوحة السيّارة القديمة لحسّان شمّاس ليست لوحة انطباعيّة، فهو لم يعتمد على المزج البصري للألوان، فيفككها الناظر على الّلوحة ويعيد تركيبها في العين. بل هي لوحة زيتيّة امتزج فيها الخيال بالواقع. حاول الفنّان خلال رسمها استحضار الماضي، لكنّه لم يستطع مزجه مع الحاضر، ومن دون إدراك منه أعاد للحاضر ماضيه بكلّ جمالاته.

جعلنا شمّاس تائهين في دروب الحياة، يسكننا ألم الفراق، وقد أدركنا أنّ أعمارنا ذهبت هباءً في أحلام يقظتنا. ففي لوحته طائفة من الموضوعات الأسطوريّة، والرمزيّة. لقد أدّت ألوانه بث الحنين، وإضفاء مسحة من الرواء، والعاطفة، والجرأة في استحضار الماضي للتحرّر من ربقة السرعة حاضراً.

ربّما كان الفنّان من أولئك الفنّانين الذين بلغوا بالواقعيّة إلى حدٍ كبير من التغرّب عن الحاضر، فقد أخرج لوحته من وحي عشقه لبساطة الماضي، فرسم بدقّة مثيرة سيارة وقد أقفل صندوقها للأبد، كما يوصد باب قلعة مطمورة بغبار كونيّ. فبدت الّلوحة كما لو كانت جزءًا من حلم ممتع. فكان واعياً لما رسمه، وجعل الناظر إلى اللّوحة يستسلم لتيّارات الذكريات، وهذا هو الحد الذهبيّ لعمله.

 
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق