في ظل ما يمرّ به الأردن من تحديات داخلية وخارجية، وما يرافقها من تغيرات متسارعة في المزاج الشعبي، والظروف الاقتصادية، والأوضاع الإقليمية، بات من الضروري أن نُعيد تعريف الدور الوطني، لا فقط على مستوى المؤسسات، بل على مستوى الفكر والقرار والمسؤولية.

لقد تعب الأردنيون من الخطابات الجاهزة، ومن التوصيفات النظرية التي لا تمسّ وجعهم الحقيقي. هم لا يريدون نخبًا تصرخ على المنابر، بل رجال دولة يعرفون متى يصمتون ليصغوا للناس، ومتى يتحدثون ليصنعوا فرقًا. الأردني اليوم بحاجة إلى من يراه، لا من يُلقي عليه دروسًا في الوطنية.

ليست المشكلة في النظام، بل في بعض العقليات التي تتعامل مع الدولة وكأنها شركة، ومع المناصب وكأنها غنيمة. بينما الدولة – كما يجب أن تكون – مشروعٌ مستمر، يتجاوز الأشخاص، ويقوم على العدالة، والكفاءة، والكرامة، والثقة المتبادلة بين المواطن وصانع القرار.

إذا أردنا التقدم فعلًا، فلا بد من إعادة الاعتبار لمفهوم "عقل الدولة"؛ العقل الذي يفكر بهدوء، ويخطط بعيدًا عن ردّات الفعل، ويوازن بين الأمن والحريات، بين الإصلاح والاستقرار، بين الحزم والرحمة. ذلك العقل الذي لا يُدار بردود الفعل، ولا يتحرك وفق مراكز النفوذ، بل وفق مصلحة وطنية مجردة من المصالح الشخصية.

في هذا الزمن، لا نحتاج إلى أبطال فرديين، بل إلى مؤسسات تُبنى على الفهم العميق للتاريخ الأردني، والهوية الوطنية الجامعة، واحتياجات المحافظات والهوامش قبل المراكز. نحتاج إلى سياسات تنموية لا شعارات تعويضية، إلى تعليم يُنتج، واقتصاد يُحرّك، وإعلام يُصدّق الناس لا يُضلّلهم.

الوقت لا يحتمل المجاملة. من يعمل يجب أن يُكرَّم، ومن يعبث يجب أن يُحاسب. ومن يطمح إلى موقع المسؤولية، يجب أن يُسأل أولاً:

هل أنت مستعد أن تخدم لا أن تُخدَم؟ هل تملك رؤية؟ هل تدرك آلام الناس دون أن تزاود عليهم؟

إن الدولة ليست غنيمة، بل أمانة، ومن يتقدم لتحمّلها، يجب أن يكون صادقًا مع نفسه أولًا، وأن يدرك أن خدمة الناس مسؤولية لا امتياز.

الأردن يستحق الأفضل.

والأفضل لا يُقاس بالصوت المرتفع، بل بالفعل المتّزن، وبالرؤية التي تجمع لا تفرّق، وتبني لا تُمزّق، وتنهض لا تتذرع.