نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
التفاح من رمز للخطيئة إلى رسول بين المحبّين في كتاب للجزائرية شهرزاد العربي - ايجي سبورت, اليوم الأحد 13 يوليو 2025 12:35 مساءً
ايجي سبورت - يفكك كتاب "الشجرة والتفاح: المعرفة، الخطيئة، رسائل العشاق"، للكاتبة الجزائرية شهرزاد العربي علاقة الشجرة بالإنسان، في فضاء الثقافة، وعبر الخرافة والأسطورة والمعتقدات والدين، ثم يختار الحديث عن أهمية الشجرة في حياة الإنسان ويضرب من خلال شجرة التفاح مثلاً للتفكير وموضوعاً للبحث وخطاباً لرواية تطور الفهم لمكانة هذه الشجرة، وتطور التعاطي معها من كونها رمزاً للخطيئة إلى رسول بين العشاق والمحبين.
وفي خلاصة بحثها الذي تضمَّنه هذا الكتاب الصادر عن معهد الشارقة للتراث، لاحظت شهرزاد العربي أنه لأجل الحصول على ثمرة التفاح ودخول جنتها الوهمية نشبت الحروب وظل العنف سمة عصور بأكلها. كما لاحظت أنه تمت "أنسنة" ثمرة التفاح، وجعلها الإنسان وسيلة للتعبير عن مشاعره، وأفرغ من جمالها على أحبته؛ "وهذا لم تحظ به أي ثمرة أخرى" (ص 320).
جاء الكتاب في سبعة فصول، تناول أولها "مسيرة الشجرة والإنسان في فضاء الثقافة" (مشتملاً البعد الوجودي للشجرة من خيث أسبقية نشأتها لظهور الإنسان)، وهي مسيرة حافلة بالتعايش والابتكار، وبتحقيق ضرورات البقاء، ناهيك بعلاقة الاتصال وما حملته من مخاوف ومطامع وحماية؛ الأمر الذي جعلها مميزة عن علاقة الإنسان بالحيوان، بتعبير الكاتبة. وفي هذا الفصل حديث عن النبات وصوته، والفِلاحة النبطية، مع الاستعانة بكتاب "ما روتْه الشجرة" لمؤلفه "قوثامي"، وتحديد "أمثلة المنابت"، وأيضاً الكلام عن الصلة المباشرة بين الإنسان والشجرة، والنبات عموماً، من الناحية الوجودية.
غلاف الكتاب.
المكتوب والشفاهي
وفي الفصل الثاني "الشجرة في الخرافة والأسطورة والمعتقدات"، يأتي الحديث محملاً، من التراث الثقافي المكتوب والشفاهي، بمتعة معرفية ذات طابع قصصي، تكشف عن مكانة الشجرة في الميثولوجيا، وتطورها عبر المعتقد، ثم بوضوح أهميتها ودورها، وصولاً إلى الرمزية من خلال أقلام السابقين، وذلك بطرح ثلاث فضايا أساسية، هي: الطريق إلى الاستئناس، ومرحلة التقديس، ويقينيَّات الأرض. وتركز العربي في الفصل الثالث وعنوانه "الشجرة في القرآن"، على الآيات التي تناولت الشجرة ومعانيها في بعض التفاسير، كما تبين أنواعها وأهميتها في حياة الناس، وموقعها في بداية الخلق، وفي الأرض والدنيا، وفي الآخرة والجنة، لتوضيح الأصالة المعرفية للشجرة. ويذهب الفصل الرابع الذي حمل عنوان "شجرة المعرفة وأشجار القرآن"، إلى الحديث عن الواقع الوجودي للشجرة في الأرض، وتصور الناس لها في السماء، كما يتطرق إلى "جنَّات عدن" في القرآن ولدى أهل الكتاب، بخاصة المسيحيين، ويوضح التزاحم بين النباتات والأشجار، ويركز على الأشجار المذكورة في القرآن: النخل والعنب والزيتون والسدر والرمان، والتين، وما ورد في شأنها في كتب التفاسير. ويتطرق الفصل الخامس "ثنائي ثمرة المعصية: منافسة وتزاحم"، إلى مسألة في غاية الأهمية، وقد اعتبرها "امتحاناً للمعرفة"، وتتعلق بذلك النقاش الدائر منذ الأزل حول الأشجار التي اعتبرت ذات صلة بالمعرفة وبالخطيئة بدل التفاح، ومنها: شجرة الرمان وشجرة التين، وينتهي بعد قراءات عميقة في التراث إلى أنهما بعيدتان عن ذلك التصور، مثلهما مثل شجرة التفاح، وإن كانت هذه الأخيرة أكثر شهرة منهما.
وهم الخطيئة
ويحلل الفصل السادس "التفاح: يقين الشجرة ووهم الخطيئة"، مرجعية اعتبار التفاح الثمرة المُحرَّمة التي تسبب أكْل آدم لها في خروجه وزوجه من الجنة، وما تبع ذلك من جدل وخوض في تفسير علاقة الشجرة بالمعرفة والخلود، وما نتج من عصيان آدم ربه من خطيئة، أخذت في رحلة الزمن تفسيرات فنَّدها القرآن، وقد حاءت تلك التفسيرات من خطأ في الترحمة، كما تؤكد العربي. كما يتناول الفصل نفسه البعد الأسطوري للتفاح، وأهميته في ميراث "السِّلت" وكيفية حمْله رمزية معاصرة، وتنوع زراعته، وكثرة إنتاجه، وتحوله إلى ضرورة استهلاكية بعيدة عن لغة المشاعر. وينتهي الكتاب في الفصل السابع وعنوانه "بوْح المحبين ومذاق التفاح"، إلى تناول البُعد الآخر لهذه الثمرة، حيث الحديث عن رائحتها وجمالها وإغرائها والشغف بها، وميراثها المشترك بين الإنس والجن، وقصصها في منظومة العلاقات الاجتماعية لدى الأمم، والتي لا يزال بعضها قائماً إلى الآن، مع تركيز خاص على موقع التفاح من التراث العربي، بخاصة في عهود الدولة العباسية حيث كثرت بساتينه في العراق، وتعبيره عن الجمال هناك، بل تحوله إلى رسول بين المحبين والعشاق.
ويتسع "فضاء الثقافة"، حيث الجمع بين الشجرة والإنسان، ليشمل الحديث عن التصورات المنبثقة من المعرفة والإدراك والوعي، في تجربة تراكمتْ على مر الزمان، ساعدت، ولا تزال، على دفع الخيال نحو تحقق مؤكد، مثَّل واقعاً، وتحوَّل – بعد أن تجسَّد – إلى حقيقة، يحتكم عندها الناس ويختصمون، وفي أحيان كثيرة أحالتهم تساؤلات كانت بمثابة إشكالات، اعتبرت إجاباتها، مسالك نحو يقين نسبي، أو دوافع لبحث متواصل، "لتقديم مزيد من الدراسات حول هذا الموضوع، في التراث الإنساني عموماً، ومن كل الجوانب" (ص 320).
ذكريات مشتركة
وفي الخاتمة، استنتجت العربي أن العلاقة بين الشجرة والإنسان، في بُعدها المعرفي، تشكَّلت مع بداية خلق الإنسان، في الأمر الإلهي لآدم بعدم الأكل من شجرة بعينها، وهذا يعني التمييز بين الحلال والحرام من خلال العلاقة بالشجرة. وخلصت الباحثة أيضاً إلى أن الشجرة رفيقة درب الإنسان في كل أزمنته، وإلى أن تقوم الساعة، وقد بدا وجودها واضحاً في الخرافة والأسطورة والمعتقد، ثم في الحكايات الشعبية والأمثال، كما هي حاضرة اليوم في العلوم المعاصرة، بغض النظر عن نوعية ذلك الحضور. واستنتجت كذلك أن الشجرة تحمل أوصافاً مشابهة للإنسان في الكتب السماوية، بخاصة القرآن، من مثل الخبث والطيبة والبركة... الخ. وأن الشجرة مثلها مثل الإنسان "نبات أرض"، وأنها تؤدي بعض تكاليف الشكر والحمد لله، ومن ذلك التسبيح. ولاحظت أن الشجرة تملك ذكريات مشتركة مع الإنسان تتعلق بالسلم والحرب، وبالحب والكراهية، وبالرحيل والبقاء، كما تعد شاهدة على أفعال الإنسان.
ومما تضمنته خاتمة الكتاب كذلك أن التفاح حظي باهتمام كبير لدى معظم الشعوب والأمم، وتم نقل شجرته لأجل غرسها إلى مناطق عدة غير بيئتها الأصلية، وبذلك تنوَّعتْ ثمرتُها وكثُرت، بخاصة بعد التهجين، من أجل استخدام منتوجها لتحقيق أهداف اقتصادية. كا لاحظت أن التفاح الشجرة والثمرة شغلا حيزاً كبيراً في الأساطير اليونانية بخاصة، وذلك حين تعلَّق الأمر بوصفه، مثل القول: بالتفاحة الذهبية، أو عند اعتباره ممثلاً للعزَّة والشهامة والانتصار، وفي التراث العربي حازت ثمرة التفاح مكانة كبيرة، وطوعت لمصلحة التعبير عن المشاعر، فأسهمت في الإبداع الأدبي، والمنتج الفلاحي، وفي البيئة والعمران والتمدن.
شهرزاد العربي كاتبة وباحثة متخصصة في شؤون الطفل والمرأة. من مؤلفاتها "على جناح طائر، رؤى وحكايات"، "سلسلة القاموس القصصي للأطفال" (15 كتاباً)، و"البعد السياسي للحجاب".
0 تعليق