نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
انسحاب مفاجئ بمليارات الدولارات... هل يفقد "بنك أوف أميركا" جاذبيته؟ - ايجي سبورت, اليوم الاثنين 14 يوليو 2025 08:03 صباحاً
ايجي سبورت - في خطوة تعكس تغيراً عميقاً في شهية المستثمرين تجاه القطاع المصرفي الأميركي، باعت "الهيئة العامة للاستثمار الكويتية" حصة بقيمة 3.1 مليارات دولار من أسهمها في "بنك أوف أميركا"، في صفقة ضخمة نفذتها دفعة واحدة "غولدمان ساكس" ليل الثلثاء-الأربعاء بسعر 47.95 دولاراً للسهم، أي بخصم 1.5 في المئة عن سعر الإغلاق السابق. الصفقة جاءت بعد أيام فقط من تخارج الصندوق السيادي نفسه من حصة أخرى في شركة التأمين الآسيوية ذات الجذور الأميركية "إيه آي إيه غروب" بقيمة 3.4 مليارات دولار. وبالنظر إلى توقيت العمليتين، وحجم المبالغ المتخارج منها، تبدو الحكاية أكبر بكثير من مجرد إعادة توزيع للاستثمارات الخاصة بمحفظة استثمارية.
يبدو واضحاً أن سلسلة التخارجات من "بنك أوف أميركا"، سواء من جانب الكويت أو من جانب مستثمرين كبار آخرين مثل وارن بافيت، ترتبط بمزيج معقّد من العوامل البيئية والاستراتيجية والمالية. فالكويت، التي كانت من أبرز داعمي المصرف منذ أيام الأزمة المالية عام 2008 عبر استثمار ملياري دولار في "ميريل لينش" قبل اندماج الأخيرة فيه، لم تسيّل حصتها نتيجة ضغوط ظرفية، بل في سياق أوسع من إعادة النظر في جدوى الاستمرار في دعم مؤسسة مالية بدأت تفقد بريقها أمام منافسيها.
من جهة أخرى، بدأت "بيركشاير هاثاواي" التابعة لبافيت، والتي كانت من أكبر المساهمين في المصرف، بتقليص حصتها تدريجياً منذ العام الماضي، وواصلت البيع حتى تراجعت نسبة ملكيتها إلى ما دون 10 في المئة، ما أعفاها من الإفصاح اليومي الإلزامي. وفي نهاية آذار/مارس 2025، كانت "بيركشاير" تملك نحو 632 مليون سهم، مقارنة بـ1.03 مليار سهم قبل سنة فقط. هذا الانسحاب التدريجي لا يبدو عشوائياً، بل نتيجة تقييم استثماري يرى أن أداء المصرف في المرحلة المقبلة قد لا يكون جذاباً كما كان في السابق.
وليس الأمر محصوراً في حسابات الربح والخسارة. فالمخاوف البيئية باتت عاملاً مؤثراً في قرارات كبرى المؤسسات والمستثمرين. مثلاً، أعلن "تحالف الحفاظ على الطبيعة" (The Conservation Alliance) أنه بدأ التخارج من "بنك أوف أميركا" لأنه لا يزال يموّل مشاريع التنقيب عن النفط والغاز في محمية الحياة البرية الوطنية في القطب الشمالي، ليكون بذلك المصرف الأميركي الكبير الوحيد الذي لم يتعهد بوقف تمويل هذه الأنشطة المثيرة للجدل. هذه الخطوة تعكس تحوّل الاعتبارات البيئية إلى عنصر محوري في قرارات الاستثمار، حتى بين الجهات التي لا تُعرَف تقليدياً بمواقفها السياسية أو البيئية الصريحة.
وإلى جانب الاعتبارات البيئية والاستراتيجية، لا يمكن إغفال العامل المالي الصرف. فمنذ أن بدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي دورة رفع معدلات الفائدة أوائل عام 2022، كان "بنك أوف أميركا" الأسوأ أداءً بين أكبر ستة مصارف أميركية. وعلى عكس الاعتقاد السائد بأن معدلات الفائدة المرتفعة تعزز أرباح المصارف، كشف نموذج عمل "بنك أوف أميركا" عن هشاشة في مواجهة هذه التحولات النقدية، نظراً إلى حيازته الضخمة لسندات ذات عوائد منخفضة، إلى جانب ضعف في أداء قطاعاته المعتمدة على الإقراض العقاري والاستهلاكي.
هذه العوامل كلها مجتمعة تدفع إلى الاعتقاد بأن التخارج الكويتي الأخير ليس نهاية القصة بل ربما بداية لتحوّل أكبر في علاقة الصناديق السيادية الخليجية بالقطاع المالي الأميركي. فالتوجه العام اليوم يميل إلى توجيه الاستثمارات نحو التكنولوجيا والطاقة المتجددة والبنية التحتية ومشاريع التنمية الوطنية، أكثر من التمسك بحصص تقليدية في مصارف كبرى تواجه ضغوطاً تنظيمية، ومنافسة متزايدة من شركات التكنولوجيا المالية، واتهامات متصاعدة بعدم الالتزام بالمعايير البيئية والاجتماعية.
اللافت أن "بنك أوف أميركا"، على رغم تاريخه العريق ومكانته كمكون أساسي في النظام المصرفي الأميركي، بات اليوم في موقع الدفاع عن جدار الثقة الذي بناه مع مستثمريه الكبار على مدى عقدين من الزمن. وإذا استمر اتجاه الفائدة المرتفعة، وزاد الضغط التنظيمي، وظل أداء المصرف دون توقعات السوق، قد نشهد انسحابات جديدة من مستثمرين كانوا حتى وقت قريب يُعَدّون من أركان دعمه.
ببساطة، ما يجري ليس مجرد صفقة. إنه مؤشر على أن زمن الولاء البعيد الأمد للمؤسسات المالية الكبرى قد بدأ يتآكل، في ظل عالم سريع التغيّر، وقواعد استثمار جديدة، ومراكز ثقل تتحرك من وول ستريت إلى ما هو أبعد بكثير.
0 تعليق