نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بين "قسد" و"حزب الله": إعادة رسم الخرائط بنيران الحلفاء - ايجي سبورت, اليوم الاثنين 14 يوليو 2025 02:23 مساءً
ايجي سبورت -
د. سليم زخور
تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات استراتيجية متسارعة تكشف عن نية واضحة لدى القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لإعادة تشكيل موازين القوى في سوريا ولبنان. وفي هذا السياق، تبرز تجربتان متناقضتان من حيث الدعم والوظيفة والمصير: "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) في شمال شرق سوريا، و"حزب الله" في لبنان. كلاهما خاض تجربة التحالف مع قوى خارجية وامتلك ترسانة عسكرية غير نظامية، وكلاهما اليوم يواجه ضغوطاً متزايدة لتسليم سلاحه أو الاندماج ضمن الدولة.
"قسد"، التي تشكّلت عام 2015 بدعم مباشر من الولايات المتحدة، لعبت دوراً أساسياً في هزيمة تنظيم "داعش"، وأصبحت حليفاً رئيسياً لواشنطن في سوريا، بعدما سيطرت على مناطق واسعة من الشمال الشرقي السوري. لكن التحالف الأميركي - الكردي دخل مرحلة جديدة منذ توقيع اتفاق 10 آذار/مارس 2025 بضغط أميركي، بين الدولة السورية و"قسد"، الذي نصّ على دمج "قسد" ضمن الجيش السوري مقابل ضمانات سياسية وإدارية.
وفي أحدث تصريح له، قال المبعوث الأميركي توم براك، إن قسد تواجه "لحظة الحقيقة"، وأضاف أن "الولايات المتحدة لا يمكن أن تبقى إلى الأبد حامية لميليشيا مسلحة، حتى لو كانت حليفة". كما أشار إلى أن "قسد أظهرت بطئاً في التجاوب مع عرض دمشق، وأن الوقت بدأ ينفد"، خصوصاً في ظل تهديدات تركية مستمرة بشن عملية عسكرية جديدة.
في لبنان، يواجه "حزب الله"، الحليف التقليدي لإيران، ضغوطاً متزايدة لنزع سلاحه، خصوصاً الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة. وقد اعتبر براك أن لبنان يواجه "تهديداً وجودياً"، إذا لم يتحرك سريعاً لمعالجة ملف سلاح "حزب الله"، محذّراً من أن البلاد قد تعود إلى "بلاد الشام" القديمة إذا استمر الوضع الراهن. هذا الموقف يتزامن مع تكثيف إسرائيل لضغوطها العسكرية على الحزب، من خلال غارات شبه يومية تستهدف مواقع خاصة به.
في هذا الإطار، تشكل المقارنة البنيوية بين "قسد" و"حزب الله" مدخلاً مهماً لفهم التحولات الجارية في المنطقة، فعلى مستوى الدعم المالي، تحظى "قسد" بدعم مباشر من الولايات المتحدة، بلغ في موازنة وزارة الدفاع الأميركية لعام 2026 وحده نحو 130 مليون دولار، وخلال عامي 2024 و2025 ما يقارب 300 مليون دولار، بينما يعتمد "حزب الله" على الدعم الإيراني، الذي شهد تراجعاً كبيراً.
أما من حيث القدرات التسليحية، فإن "قسد" تملك أسلحة خفيفة وثقيلة، يتم استخدامها في إطار محاربة "داعش" بشكل رئيسي. في المقابل، يمتلك "حزب الله" ترسانة أكثر تطوراً تشمل صواريخ دقيقة وطائرات مسيّرة، ذات طابع هجومي واستراتيجي، تُقلق إسرائيل والدول الغربية. ومن الناحية الجيوسياسية، تمثل "قسد" الذراع العسكرية للولايات المتحدة في سوريا، بينما يتموضع "حزب الله" ضمن محور بقيادة إيران.
المفارقة أن "قسد"، رغم كونها الذراع العسكرية للولايات المتحدة في سوريا، تُدفع الآن إلى التخلي عن سلاحها والاندماج في منظومة الدولة السورية. فكيف سيكون الحال بالنسبة لـ"حزب الله"، الذي لا يملك أي دعم دولي رسمي، ويُعد من المنظور الأميركي والإسرائيلي خطراً استراتيجياً يجب إنهاؤه؟
في ظل هذه التطورات والضغوط، تُجرى استعدادات حثيثة لإعلان اتفاق أولي بين سوريا وإسرائيل، حيث يُرتقب توقيعه في البيت الأبيض، برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في أيلول/سبتمبر المقبل. هذا الاتفاق سيأخذ طابع الترتيبات الأمنية، ويشمل إعادة تموضع إسرائيلي في الجولان ووقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية، مقابل ضمانات لأمن إسرائيل، برعاية أميركية.
تبدو الفترة الزمنية الفاصلة بين اليوم وتاريخ توقيع الاتفاق المرتقب بين سوريا وإسرائيل، بمثابة مهلة أخيرة للحلول السلمية لكل من "قسد" و"حزب الله"، إنها فترة السماح التي تُمنح للديبلوماسية لتفرض كلمتها، قبل أن يُفتح الباب أمام الحسم عبر الوسائل العسكرية.
"قسد" أمام اختبار بقاء بمرجعية دمشق، و"حزب الله" أمام اختبار وجودي بمرجعية لبنانية، وفي الحالتين، تبدو واشنطن مصممة على إعادة ضبط قواعد اللعبة، حتى لو تطلّب الأمر تسوية بالنار.
المعادلة الجديدة تقول إنه لا مستقبل لأي سلاح خارج سلطة الدولة، سواء حُمل بيد حليف أو خصم.
والسؤال الأهم: كيف سينعكس ذلك على إعادة رسم خرائط المنطقة؟
0 تعليق